ص : ٧٢٦
وقيل : النجوم الكواكب، ومواقعها مساقطها عند الغروب، وهو قول أبي عبيدة، وقد تقدم قول كهذا.
وقيل : بل مواقعها انتثارها وانكدارها يوم القيامة، وهو مروي عن الحسن.
ويقول الذي يقول المواقع المساقط عند الغروب : إنّ اللّه تعالى يقسم بالنجوم وطلوعها، وجريانها وغروبها، إذ فيها، وفي أحوالها الثلاث آية وعبرة ودلالة.
والنجوم متى ذكرت في القرآن الكريم فالمراد منها الكواكب، انظر إلى قوله تعالى :
وَإِدْبارَ النُّجُومِ [الطور : ٤٩] وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ [الأعراف : ٥٤] ومن هنا يمكن أن يقال - بل هو قد قيل : إنّ المناسبة بين المقسم به وهو النجوم ومواقعها، وبين المقسم عليه وهو القرآن، أنّ النجوم جعلها اللّه يهتدى بها في ظلمات البر والبحر، وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغواية، وتلك ظلمات حسية، وهذه ظلمات معنوية، تلك يؤمن جانبها بالنجوم، وهذه تتوقى بهداية القرآن، فالقسم هنا قد جمع فيه بين هدايتين.
هداية ومنافع، ليدير الناس وجوههم إلى القرآن، ويتبصّروا ما فيه جيدا، فيعلموا أنّه هاديهم الذي لا يضلون معه. ولا تنس كذلك أنّ اللّه قد جعل النجوم رجوما للشياطين، وفي آيات القرآن من رجوم الشياطين ما تجعل الشياطين يولّون عند سماعه، وما نريد أن نترك هذا الموضع حتى نسمعك رأي الفخر الرازي «١» في هذا :
قال رحمه اللّه بعد سؤال حاصله : هل في القسم بمواقع النجوم خاصة فائدة؟
قلنا : نعم، فائدة جليلة، وبيانها أنّا قد ذكرنا أنّ القسم بمواقعها، وأن المواقع كما هي مقسم به، هي من الدلائل، وقد بيّناه في الذاريات، وفي الطور، وفي النجم، وفي غيرها، فنقول هي هنا كذلك.
وذلك من حيث أنّ اللّه تعالى لما ذكر خلق الآدمي من المني وموته، بيّن بإشارته إلى إيجاد الضدين في الأنفس، قدرته واختياره، ولما كان هذا دليلا من دلائل الأنفس ذكر أيضا من دلائل الآفاق على قدرته واختياره فقال : أَفَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ (٦٣) أَفَرَأَيْتُمُ الْماءَ إلى غير ذلك، وذكر قدرته على زرعه، وجعله حطاما. وخلقه الماء عذبا فراتا، وجعله أجاجا، إشارة إلى أنّ القادر على الضدين مختار، ولما لم يكن قد ذكر من الدلائل السماوية شيئا، ذكر الدليل السماوي في معرض القسم، وقال : بِمَواقِعِ النُّجُومِ فإنها أيضا دليل الاختيار، لأنّ كون كلّ واحد في موضع من السماء دون غيره من المواضع مع استواء المواضع في الحقيقة دليل على أنّ الفاعل مختار. فقال :