ص : ٧٣
البادية، كل ميل اثنا عشر ألف قدم، كل قدم ثلث خطوة، وهو مذهب مالك، وأحمد.
وقال أبو حنيفة : لا يتحقق سفر يبيح الترخيص حتى يكون قدر ثلاث مراحل، قدرها أربعة وعشرون فرسخا، وهي مقدرة في كتب الحنفية بمسير ثلاثة أيام سيرا وسطا، وهو سير الإبل والأقدام في البر، وسير السفن الشراعية في البحر، ويكتفون بسير معظم اليوم، واحتج الشافعي بما رواه عن ابن عباس رضي اللّه عنهما، قال : يا أهل مكة لا تقصروا في أدنى من ثلاث برد من مكة إلى عسفان «١».
وقد قال أهل اللغة : إن كل بريد أربعة فراسخ، فتكون ستة عشر فرسخا، وهو الذي قلنا.
واحتج أبو حنيفة : بأن قوله تعالى : فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ يوجب الصوم، ولكنا تركناه في الثلاثة الأيام للإجماع على الرخصة فيها. أما فيما دونها فمختلف فيه، فوجب الصوم احتياطا.
واحتجوا أيضا
بقوله عليه الصلاة والسلام :«يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليها» «٢»
. ولا يكون كذلك حتى تكون مدة السفر ثلاثة أيام، لأن الشارع جعل علّة الامتداد إلى الثلاثة السفر، والرخص لا تعلم إلا من الشرع. وأما ما رويتم عن ابن عباس فلعله مذهبه واجتهاده، ولا نترك حديث رسول اللّه إلى مذهب أحد واجتهاده.
وأيضا ورد عن الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم اعتبار الثلاثة الأيام سفرا، ومن ذلك
حديث ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«و أنه نهى أن تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم» «٣».
نعم قد روي عن أبي سعيد «٤»، وأبي هريرة «٥» أخبار في هذا المعنى، تفيد من منعها السفر يومين، ولكنّهما روي عنهما أيضا النهي عن سفرها ثلاثة أيام، ويوما.
فلما كان هذا الاضطراب وللاحتياط في إسقاط الفرائض عوّلنا على حديث ابن عمر، لأنه متفق عليه، وروايات غيره مضطربة فتركناها، فتبين أن الثلاثة قد تعلّق بها حكم شرعي، وغيرها لم يعلّق به، فوجب تقديرها في إباحة الفطر.
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح كتاب الطهارة، باب المسح على الخفين حديث رقم (٩٥).
(٣) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٩٧٥)، ١٥ - كتاب الحج، ٧٤ - باب سفر المرأة حديث رقم (٤١٣/ ١٣٣٨).
(٤) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٩٧٦)، ١٥ - كتاب الحج، ٧٤ - باب سفر المرأة حديث رقم (٤١٦/ ٠٠٠).
(٥) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٩٧٧)، ١٥ - كتاب الحج، ٧٤ - باب سفر المرأة حديث رقم (٤١٩/ ١٣٣٩).