ص : ٧٤٤
يتناجى به المنافقون إن وقع فهو بقضاء اللّه ومشيئته، وما شاء لا بدّ أن يكون.
والقصد من هذا إزالة ما عساه يدخل في نفوس المؤمنين بتأثير هذه المناجاة.
ثم إنّ التناجي بين المؤمنين قد يكون منهيا عنه، روى البخاريّ ومسلم «١» وغيرهما عن ابن مسعود رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال :«إذا كنتم ثلاثة فلا يتناج اثنان دون الآخر، حتى تختلطوا بالناس، من أجل أنّ ذلك يحزنه».
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١١) كان المؤمنون يتنافسون في القرب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ويتسابقون إلى ذلك، لا يكاد أحد يؤثر غيره بمجلسه من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، واتفق أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم جلس يوم الجمعة في الصّفة، وفي المكان ضيق، وكان عليه الصلاة والسلام يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس من أهل بدر، منهم ثابت بن قيس بن شماس، وقد سبقوا إلى المجالس، فقاموا حيال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة اللّه وبركاته، فردّ النبي عليهم. ثم سلّموا على القوم، فردوا عليهم، فقاموا على أرجلهم، ينتظرون أن يوسع لهم، فشقّ ذلك على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال لبعض من حوله : قم يا فلان ويا فلان، فأقام نفرا مقدار من قدم، فشقّ ذلك عليهم، وعرفت كراهيته في وجوههم.
واتخذ المنافقون من ذلك طريقا عسى أن يصلوا منه إلى قلوب المؤمنين، فقالوا : ما عدل رسول اللّه بإقامة من أخذ مجلسه وأحبّ قربه لمن تأخر عن الحضور، فأنزل اللّه قوله تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا الآية.
أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان.
والتفسّح في المجلس : التوسع فيه، أي إذا قال لكم قائل كائنا من كان :
توسعوا، فليفسح بعضكم عن بعض، ليأخذ القادم مكانه في المجلس، فإنّ ذلك سبب المودة والمحبة بينكم، ومدعاة للألفة وصفاء النفوس.
ولئن كانت الآية نزلت في خصوص التوسع في مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّها لمرسلة عامة في كل المجالس التي يكون فيها خير للناس، مجالس العلم، ومدارسة القرآن، ومجالس القتال إذا اصطفوا للحرب، ومجالس الرأي والشورى، ومجالس الناس في مجتمعاتهم للأغراض الدينية.