ص : ٧٤٧
منهم مؤمنين علماء رفعهم اللّه درجات على غيرهم، فأوسعوا لهم في المجالس وأكرموهم كما أكرمهم اللّه.
ثم الآية بعد هذا دليل على فضل العلماء، ولا يقلّ ما روي من الآثار والأخبار في ذلك عن دلالة الآية في الظهور والوضوح،
فقد أخرج الترمذي وأبو داود «١» وغيرهما عن أبي الدرداء مرفوعا «فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب».
وأخرج الدارمي «٢» عن عمر بن كثير عن الحسن قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«من جاءه الموت وهو يطلب العلم ليحيي به الإسلام، فبينه وبين النبيين درجة»
وعنه صلّى اللّه عليه وسلّم :«بين العالم والعابد مئة درجة، بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعون سنة» «٣».
وعنه صلّى اللّه عليه وسلّم :«يشفع يوم القيامة ثلاثة : الأنبياء، ثم العلماء، ثم الشهداء» «٤».
وحسب العلماء أن يلوا الأنبياء، ويتقدّموا الشهداء.
والمراد بالعلم الذي أوتوه هو العلم النافع في الدنيا والدين، ولن يكون العلم نافعا يرفع صاحبه حتى يكون هو من العاملين، وإلا كان من الذين يقولون ما لا يفعلون، كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣).
قال اللّه تعالى : يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣) قد علمتم فيما سبق أن الصحابة كانوا يتنافسون في القرب من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في مجلسه، ويتسابقون عليه، وأنه صعب على بعضهم أن يقوم للمتأخر، وقد كان بعضهم يناجي الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم في بعض شأنه، وكانوا يكثرون من هذه المناجاة، فكان ذلك يشقّ على الرسول صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد يستثقله الحاضرون، فأراد اللّه أن يحدّ من هذه المناجاة، وهي لا يمكن منعها، فقد يكون لبعض الناس شأن لا يحبّ الكلام فيه إلا مناجاة، وشؤون الناس لا يمكن ضبطها، ولا معرفة مقدار الأهمية فيها، إلا بعد
(٢) رواه الدارمي في السنن (١/ ١٠٠)، باب فضل العلم والعالم.
(٣) المرجع نفسه.
(٤) رواه ابن ماجه في السنن (٢/ ١٤٤٣)، ٣٧ - كتاب الزهد ٣٧ - باب ذكر الشفاعة حديث رقم (٤٣١٣).