ص : ٧٥
وقد ذكر أبو سعيد الخدري في حديثه أنهم صاموا مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عام الفتح في رمضان، ثم إنه قال لهم :«إنّكم قد دنوتم من عدوّكم، والفطر أقوى لكم فأفطروا» «١»
فكانت عزيمة من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال أبو سعيد : ثم لقد رأيتني أصوم مع النبي صلّى اللّه عليه وسلّم قبل ذلك وبعد ذلك، وأما
حديث :«الصّائم في السّفر كالمفطر في الحضر»
فحديث مقطوع لا يثبت عند كثير من الناس.
والحنفية بعد ذلك يرون الصوم أفضل من الفطر. ويقول المالكية كذلك لمن قوي عليه.
فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ : أي من كان منكم مريضا أو مسافرا فأفطر فعليه صيام أيام أخر بعد ما أفطر، وهذا تأويل الجمهور، فكان المريض والمسافر عندهم واجبه الأصليّ الصوم، ويرخّص له في الفطر، فإذا أفطر فليقض أياما مكان الأيام التي أفطر فيها.
وأما غير الجمهور فتأويل الآية عندهم : فمن كان مريضا أو مسافرا فليفطر، والواجب عليه ابتداء صوم أيام أخر، وصيامه في رمضان لا يعتدّ به.
وأنت بعد الذي بينا من أدلة الطرفين إذا رجعت إلى النظم الكريم وجدت أنّ النظم قد شمل الخطاب فيه جميع المؤمنين كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ ثم لمّا كان بعض الناس قد يكون له من العذر ما يقتضي التخفيف بيّن اللّه حال المعذورين بقوله : فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وقال : وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ على ما يأتي بيانه بعد، ثم قال : وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ.
فهل تجد بعد هذا مسوّغا لأن تفهم من الآية أنّ الفطر واجب على من لا يضره الصوم من أصحاب الرّخص؟ ثم انظر إلى قوله تعالى في الآية التي بعد هذه : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة : ١٨٥] فإنّك لا بدّ فاهم منها أن الواجب الأصليّ على الناس جميعا في رمضان هو الصوم، وأن التأخر عنه ترخيص.
فهل إذا التزم العبد أن يقوم بما هو أشق عليه ولا يضرّه تحصيلا للثواب الكثير فنقول له : إن هذا لا يجزيك؟ ما نظن.
وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ ظاهر العبارة يفيد أنّ القادر على الصوم له أن يترك الصوم إلى الفدية ولا يلزمه القضاء. وقد تقدّم القول بأنّ بعض العلماء يرى أن هذه الآية من أولها منسوخة لهذا ولغيره، وبعضهم يرى أنه لا نسخ إلا في هذا الجزء، ويرى أن صوم رمضان كان قد شرع ابتداء على التخيير، ثم نسخ بقوله :