ص : ٧٦
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وهذا كله على قراءة يُطِيقُونَهُ مضارع من الإطاقة. وسنعود إليها بعد الكلام على القراءات الأخرى. فقد قرئ يُطِيقُونَهُ بتشديد الياء بعد الطاء.
وقرئ يطوقونه بالواو بدل الياء، ومعناه : يجشّمونه، أي : يتحمّلونه بمشقة، وقالوا : المراد بهم الشيخ والشيخة الفانيان يفطران ويفديان ولا يقضيان.
والآية على هاتين القراءتين لا نسخ فيها أصلا فالناس ثلاثة أحوال :
١ - الأصحاء المقيمون، ويلزمهم الصوم عينا في رمضان.
٢ - والمرضى والمسافرون، ولهم الفطر إن أرادوا، وعليهم إن أفطروا أيام أخر.
٣ - وقوم لا يقدرون على الصوم، وفيه ضرر، فهؤلاء يفدون.
ولنرجع إلى القراءة الأولى يُطِيقُونَهُ : لما كان الظاهر منها ما ذكرنا. قال بعض المفسرين : إن الآية على إضمار حرف النفي، وتقديره - واللّه أعلم - وعلى الذين لا يطيقونه فدية، وتكون الآية حينئذ في معنى القراءتين الأخريين.
ويرى بعضهم أن هذا في شأن المرضى والمسافرين فهم قسمان :
القسم الأول لا يقدر على الصيام، وهذا يجب عليه الفطر والقضاء في أيام يقدر على الصوم فيها.
والقسم الثاني يقدر على الصوم، فهؤلاء يرخّص لهم في الفطر لمكان السفر والمرض، وعليهم الفدية.
وقال بعضهم : إنّها نزلت في حق الشيخ الفاني، وتقريره من وجهين :
أحدهما : أن الوسع فوق الطاقة، فالوسع اسم للقدرة على الشيء مع السهولة، يقال : في وسع فلان أن يفعل كذا وفلان يسعه أن يفعل كذا إذا كان يقدر عليه مع السهولة. أمّا الطاقة فهي اسم للقدرة على الشيء مع الشدة والمشقة، يقال : فلان يطيق كذا، أي أنه آخر ما في طوقه وقدرته، فمعنى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ الذين يقدرون عليه مع الشدة والمشقة، وعلى هذا فلا نسخ في الآية، وحكمها باق، قاله الفخر الرازي.
الوجه الثاني : حمل هذه القراءة على القراءة الشاذّة، وهو قريب من الأوّل، وأصحاب هذا الرأي قد اختلفوا، فقال جماعة منهم السدي : إنّها في الشيخ الهرم، أي الذي لا يرجى أن يأتي عليه في عمره أيام يقدر فيها على الصوم ويطعم لكل يوم مسكينا.
وقال آخرون : إنّها تتناول الشيخ الهرم والحامل والمرضع، سئل الحسن البصري عن الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما، فقال : أيّ مرض أشدّ من الحمل؟ تفطر وتقضي.
ثم إنهم أجمعوا على أنّ الواجب على الشيخ الهرم الفدية، أما الحامل والمرضع


الصفحة التالية
Icon