ص : ٧٦٠
المراد إذا جاءكم النساء اللائي يظهرن الإيمان، وإنما كان هذا هو المراد لأنّ اللّه تعالى يقول : فَامْتَحِنُوهُنَّ ثم قال : فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فدل ذلك على أنّ الغرض من الامتحان علم إيمانهن، وقوله تعالى : مُهاجِراتٍ منصوب على الحالية، وجيء به بعد قوله تعالى : إِذا جاءَكُمُ لبيان العلة في عدم إرجاعهن، إذ هنّ ما هجرن مكة وانتقلن منها إلا حبا في اللّه، وفرارا بدينهن من أذى الكفار، وهنّ الضعيفات اللاتي لا جلد لهنّ على الإيذاء، فإذا قضى نصّ العهد أن يبقي الرجال، فهم يتحمّلون الأذى، أما هؤلاء اللاتي اضطررن إلى الهجرة، فكيف يلزمهنّ البقاء، وهنّ لا يستطعن حماية أنفسهنّ فَامْتَحِنُوهُنَّ فاختبروهن بما ترونه موصلا إلى غلبة الظن بإيمانهنّ.
وقد روي عن ابن عباس في كيفية امتحانهن أنه قال : كانت المرأة إذا جاءت النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حلّفها عمر رضي اللّه عنه باللّه بأنها ما خرجت رغبة بأرض عن أرض، وباللّه ما خرجت من بغض زوج، وباللّه ما خرجت التماس دنيا، وباللّه ما خرجت إلا حبا للّه ورسوله.
وعن ابن عباس أيضا أنّ امتحانهنّ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أمر عمر بن الخطاب فقال :
قل لهن إن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بايعكن على ألا تشركن باللّه شيئا إلخ ما في الآية الآتية، وسيأتي أنّ آية مبايعة النساء لها سبب غير هذا.
وقوله تعالى : اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ جملة اعتراضية جيء بها لإفادة أنّ الامتحان الغرض منه الوصول إلى غلبة الظن، وإلا فالحقيقة لا يعلمها على ما هي عليه إلا اللّه وحده سبحانه، فإنه المطلع على ما في القلوب، يعلم السرّ وأخفى فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ أي فإن تبيّن بعد الامتحان إيمانهنّ، وغلب على ظنكم هذا، فلا ترجعوهنّ إلى أزواجهنّ الكفار، وإنما أقحمنا لفظ الأزواج أخذا من قوله بعد : لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ فإنّه استئناف قصد منه بيان علّة النهي عن إرجاعهن إلى الكفار، وجملة لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ أفاد الفرقة، وتحقيق زوال النكاح الأول على الثبوت والاستقرار، والجملة الثانية : وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ أفادت أنّ النكاح في المستقبل لا يستأنف للكفار، وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا أي أعطوا أزواجهنّ مثل ما أنفقوا عليهن من المهر، وقد قيل : إنّ ذلك واجب، وقيل : إنّه مندوب، وقد فعل ذلك في زمن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم، فقد روي أنّ ربيعة الأسلمية لما جاءت تزوجها عمر، وأعطى زوجها ما أنفق. وقيل : إنّ هذا الحكم غير باق، لأنّ ذلك كان في المهاجرات، وقد ذهبت الهجرة
«و لا هجرة بعد الفتح»
على أنك قد سمعت ما روي من أنّ العهد كان فيه نصّ جاءت الآية مقرّرة له، وقد انتهى العهد بما فيه، فلا بقاء لهذا الحكم الآن.
وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ أي إنه لا تثريب عليكم في نكاحهن