ص : ٧٦١ عند إيتاء الأجور، فمتى أعطيت الأجور، فليس شيء وراء ذلك يمنع من الحلّ.
وأنت تعلم أنّ هذا الحكم وإن كان قد بطل العمل به بالنسبة لمن جرى بينه وبين النبي صلّى اللّه عليه وسلّم عهد الحديبية من قريش، فإنّه لا مانع أن يكون معمولا به في العهود التي تجري بين المسلمين والكفار في مثل تلك الحالة التي كان عليها المسلمون يومئذ. فإذا عاهدناهم على أنّ من جاءتنا مؤمنة من أزواجهم رددنا عليهم ما أنفقوا وجب الوفاء بذلك العهد.
هذا وقد اختلف العلماء في الحربية تخرج إلى المسلمين مسلمة، فقال أبو حنيفة : إذا خرجت الحربية مسلمة، ولها زوج كافر في دار الحرب، وقعت الفرقة بينهما، ولا عدّة عليها. وقال أبو يوسف ومحمد : تقع الفرقة، وعليها العدة. وإن أسلم الزوج بعد ذلك لم تحل له إلا بنكاح جديد، وإليه ذهب سفيان الثوري.
وقال مالك والليث بن سعد والأوزاعي والشافعي : إن أسلم الزوج قبل أن تحيض ثلاث حيض فهي امرأته. ولا تحل الفرقة إلا إذا انقضت العدة، فإذا انقضت فلا سبيل له عليها إن اجتمع معها في الإسلام بعد ذلك، ولا تحل له إلا بعقد جديد.
والخلاف بين الحنفية وغيرهم إنما هو في الحربيين إذا أسلمت المرأة وخرجت مهاجرة إلى دار الإسلام، فإنّ الحنفية يقولون في هذه الصورة بالخروج من دار الحرب وهي مسلمة : وقعت الفرقة، فسبب الفرقة اختلاف الدارين، والمراد به عندهم أن يكون أحد الزوجين من أهل دار الحرب، والآخر من أهل دار الإسلام، ولا اعتبار لمضي العدة وعدمه. وغيرهم يقول : لا عبرة باختلاف الدار، فإذا أسلمت المرأة انتظر إسلام زوجها زمن العدة، سواء أبقيت في دار الحرب أم خرجت وحدها مهاجرة.
وأما إذا كانا ذميين، فأسلمت المرأة، فمذهب الحنفية «١» أنّه لا تقع الفرقة حتى يعرض عليه الإسلام، فإن أسلم، وإلا فرّق بينهما، وكذلك إذا بقيا في الحرب.
والجماعة يقولون كما قالوا في الصورة الأولى، أي أنها تنتظر زمن العدة، فإن جمعها وإياه الإسلام، في العدة فهي امرأته، وإلّا حصلت الفرقة.
وقد استدل الحنفية لمذهبهم بقوله تعالى : فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ.
وقالوا في وجه استدلالهم بالآية : إنّ المهاجرة إلى دار الإسلام قد صارت من أهل دار الإسلام، وزوجها باق على كفره من أهل دار الحرب، فقد اختلفت داراهما وحكم اللّه بوقوع الفرقة بينهما بقوله : فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ولو كانت