ص : ٧٦٢
الزوجية باقية لكان الزوج أولى بها، وقد قال اللّه : لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ.
وأيضا قوله تعالى : وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا يدلّ على ذلك، لأنه لو كانت الزوجية باقية لما استحقّ الزوج ردّ المهر، لأنه لا يستحق البضع وبدله.
قالوا : ويدل عليه أيضا قوله تعالى : وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ لأنه لو كان النكاح باقيا لما جاز لأحد أن يتزوجها.
واستدلوا أيضا بقوله تعالى : وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ لأنّ معناه عندهم لا تتمسكوا بها، ولا تعتدوا بها، ولا تمنعكم عصمة الكافرين السابقة من التزوج بهنّ.
وقال الحنفية أيضا : اتفق الفقهاء على جواز وطء المسبية بعد الاستبراء، وإن كان لها زوج في دار الحرب إذا لم يسب زوجها معها، ولا سبب يجوّز هذا في نظرهم إلا اختلاف الدارين، لأنه ليس معنا إلا طروء الملك، واختلاف الدارين وطروء الملك من حيث هو لا يقتضي فساد النكاح، بدليل أنّ الأمة التي لها زوج لو بيعت لا تقع الفرقة بينهما، وكذلك إذا مات السيد عن أمة لها زوج، لم يكن انتقال الملك إلى الوارث سببا للفرقة.
والجماعة يقولون : إنّ سبب الفرقة هو الإسلام، لأنها لم تعد صالحة لأن تكون فراشا لكافر، وهذا المعنى متحقّق، سواء أبقيت في دار الحرب، أم خرجت، والعدة لازمة شرعا في كل ذات زوج ما دامت حرة، وقد عرفت عدة الحرة في الشرع، وقد كان موجب الفرقة بينهما من قبل الزوج، وهو بقاؤه على الكفر، فإذا أسقط الزوج هذا الموجب في وقت يمكنه فيه التدارك، فهي امرأته، لأن المانع من بقاء زوجية قد زال قبل فوات الأوان.
وقد روي عن مجاهد قال : إذا أسلم وهي في العدة فهي امرأته، وإن لم يسلم فرّق بينهما. وعن عطاء مثل هذا، وكذلك عن الحسن، وابن المسيّب. وأيضا قد روي عن ابن عباس رضي اللّه عنهما قال : ردّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ابنته زينب على أبي العاص بن الربيع بالنكاح الأول، وقد كانت زينب هاجرت إلى المدينة، وبقي زوجها بمكة مشركا، ثم ردها عليه بعد إسلامه.
والحنفية ردّوا الاستدلال بهذا الحديث من وجوه، قالوا : إنّ هذه الرواية فيها أنّه ردها بعد ست سنين، وذلك لا يعمل به عندكم. وقالوا : إن رواية ابن عباس ومذهبه يخالف مرويّة، على أنّه قد روي هذا الحديث من طريق آخر جاء فيه أنه ردها عليه بنكاح ثان. والكلام في هذا الحديث محله كتب الحديث، والذي يعنينا إنما هو الآية.
يقول الجماعة : إنّ هذه الآية بل الآيات لا دليل فيها، فإنّ عدم الإرجاع إلى الكفار مبني على مجيء المؤمنات مهاجرات، فلم جعلتم العلة هي الهجرة وحدها،