ص : ٧٦٤
وأما قياس الحنفية طروء الملك في المسبية على بيع الأمة المزوّجة في أنّ كلّا لا يقتضي فساد النكاح، فهو قياس مع الفارق. فإنّ الذي حصل للمسبية إنما هو استرقاق واستحداث رق بعد حرية، والذي حصل في الأمة المبيعة إنما هو انتقال ملك من شخص إلى شخص.
ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ فاتبعوه، ولا تحيدوا عنه، وقد روي أنّ الصحابة أدوا إلى المشركين ما أنفقوا من مهور المهاجرات، وأبى المشركون أن يدفعوا مهور من بقي عندهم من نساء المؤمنين، فنزل قوله تعالى : وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١).
والمعنى : إن انفلت منكم شيء من أزواجكم وانحاز إلى جانب الكفار وجاء دوركم ونوبتكم في استيفاء ما أنفقتم من المهور على أزواجكم، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم من المسلمين مثل ما أنفق هؤلاء الأزواج من مهور المهاجرات اللاتي هاجرن إليكم وتزوجتموهنّ، ولا تدفعوا إلى أزواجهنّ الكفار، ويكون ذلك قصاصا.
إباء عن الدفع منكم بإباء عن الدفع منهم.
وقد روي عن الزهري ما يوافق هذا المعنى قال : يعطي من لحقت زوجته بالكفّار من صداق من لحق بالمسلمين من زوجات الكفّار، وعلى هذا تكون المعاقبة بمعنى العقبى والنوبة، وعن الزجاج أنّ المعنى : فقاتلتم الكفار وأصبتم منهم الغنائم، فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا من الغنائم.
وقد روي عن ابن عباس أنّ النبي صلّى اللّه عليه وسلّم كان يعطي الذي ذهبت زوجته من الغنيمة قبل أن تخمّس المهر، لا ينقص منه شيئا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ فلا يزد أحدكم عن الذي أنفق، ولا ينقص المعطى منه شيئا، وذلك شأن المؤمن، فإيمانه يدفعه إلى أن يخشى اللّه، ويتقيه في كل أعماله وأحواله.