ص : ٧٩
نزّل بعد ذلك منجّما. ولا منافاة بين إنزاله في رمضان، وإنزاله في ليلة القدر والليلة المباركة. لأنّ ليلة القدر والليلة المباركة كانتا في رمضان، وقيل : معنى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ أنزل في شأنه القرآن.
والْقُرْآنُ اسم لكلام اللّه المنزل على محمد صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد اختلف في اشتقاقه، فقيل : إنه مشتق من القراءة : بل قد جاء بمعناها، كما في قوله تعالى : وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً [الإسراء : ٧٨].
وقيل : من القران، لأنّ آياته قد قرن بعضها ببعض. وقيل من القرء بمعنى الجمع. وقيل غير ذلك.
هُدىً لِلنَّاسِ : هاديا لهم بما اشتمل عليه من الحكم والمواعظ التي هي شفاء ورحمة، وهو منصوب على الحال، أي : أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هاديا للناس إلى طريق الخير، ومبينا وكاشفا عن وجه الحق، بما اشتمل عليه من الآيات الواضحات، وفارقا بين الحق والباطل وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ.
قد يقال : ما الحكمة في إيراد وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ بعد قوله : هُدىً لِلنَّاسِ؟
وجوابه : أنه تعالى ذكر أولا أنه هدى للناس، ثم هذا الهدى نوعان : تارة يكون الهدى بينا واضحا تنساق إليه العقول انسياقا. وتارة لا يدركه إلا خواصّ الناس. ولا شك أن الأول أكثر فائدة، فكان ذكره بعد الأول للميزة الخاصة بعد الميزة العامة.
وهو على هذا في منتهى البلاغة.
وقيل في الجواب : إن المراد بالهدى الأول أصول الدين. والثاني فروعه.
فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ قال بعضهم : إن الفاء هنا زائدة، لأنها إما للعطف وإما للجزاء وهما لا يصلحان هنا، فكانت زائدة كزيادتها في قوله تعالى : قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ [الجمعة : ٨] وقال الفخر الرازي : ويمكن أن يقال : إن الفاء هنا ليست زائدة، بل هي للجزاء، فإنه تعالى لما بيّن كون رمضان مختصّا بالشرف العظيم، وهو إنزال القرآن فيه، وهو شرف لا يشاركه فيه سائر الشهور، فهو لذلك يناسبه أن يختص بهذه العبادة، ولذلك تقدّم وصفه بخاصة إنزال القرآن فيه، كأنه قيل :
وإذا كان رمضان مختصا بهذه الفضيلة فخصّوه أنتم بهذه العبادة.
شَهِدَ : حضر، والشهود الحضور. ثم هنا قولان :
أحدهما : أنّ مفعول شهد محذوف، لأن المعنى : فمن شهد البلد في الشهر بمعنى أنه لم يكن مسافرا. ويكون الشهر منصوبا على الظرفية.


الصفحة التالية
Icon