ص : ٧٩١
وحاصل هذه المطاعن يرجع إلى أربعة أمور :
الأول : أنّ راويته امرأة.
والثاني : أنّها لم تأت بشاهدين يتابعانها على حديثها.
والثالث : أن روايتها تضمنت مخالفة القرآن.
والرابع : أن روايتها خالفت السنة.
فأما أنها امرأة، فإنّ ذلك لا ينبغي أن يعدّ مطعنا، فإن أحدا من أصحاب الجرح والتعديل لم يقل بأنّ الأنوثة من الأمور التي تردّ بها الرواية، ولم يختلفوا في أنّ السنن تؤخذ عن المرأة كما تؤخذ عن الرجل، وكما أنّ في الرجال عدالة وضبطا كذلك في النساء عدالة وضبط، وكم من سنة تلقتها الأئمة بالقبول عن امرأة، وهذه مسانيد نساء الصحابة بأيدي الناس، لا تشاء أن ترى فيها سنة تفرّدت بها امرأة منهنّ إلا رأيتها.
وأما أنّها لم تأت بشاهدين، فذلك أيضا ليس بجرح ترد له الرواية، ولم يشترط أحد في الرواية نصابا، ولم يكن طلب عمر الشهادة على الرواية وكذلك تحليف عليّ كرّم اللّه وجهه، إلا تثبتا منهما رضي اللّه عنهما، حتّى لا يركب الناس الصعب والذلول في الرواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقد نقل مثل ذلك عن عمر رضي اللّه عنه في حديث أبي موسى الأشعري في الاستئذان حتّى شهد له أبو سعيد الخدري رضي اللّه عنه، وفي حديث المغيرة بن شعبة في إملاص المرأة حتى شهد له محمد بن مسلمة «١» كلّ ذلك كان تثبتا منه رضي اللّه عنه، وتحذيرا من الإكثار في الرواية عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، لأنّه كان يعتبر الشهادة شرطا في قبول الرواية، وإلا فقد قبل عمر خبر الضحاك بن سنان الكلابي وحده، وقبل لعائشة رضي اللّه عنها عدّة أخبار تفرّدت بها.
وأما أن روايتها تضمنت مخالفة القرآن، فقد أجبنا عنه في تقرير مذهب أهل الحديث في سكنى البائن ونفقتها، وحاصله أنّ الآية إما أن تكون خاصّة بالرجعيات كما هو ظاهر السياق، وإما أن تكون عامة في الرجعيات والبوائن.
فإن كانت خاصة بالرجعيات فلا مخالفة بينها وبين حديث فاطمة، وهو ظاهر، وإليه ذهب الإمام أحمد، رحمه اللّه، روى عنه أصحابه أنّه أنكر هذا من قول عمر، وجعل يتبسم ويقول : أين في كتاب اللّه إيجاب السكنى والنفقة للمطلّقة ثلاثا؟ وأنكرته قبله الفقيهة الفاضلة فاطمة بنت قيس راوية الحديث، وقالت : بيني وبينكم كتاب اللّه، قال اللّه تعالى : لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً وأي أمر يحدث بعد الثلاث؟

(١) رواه البخاري في الصحيح (٨/ ١٩٠)، ٩٧ - كتاب الاعتصام، ١٣ - باب ما جاء في اجتهاد القضاء، حديث رقم (٧٣١٧)، ٧٣١٨).


الصفحة التالية
Icon