ص : ٨٠٧
سبب التزمل هو ما عراه صلّى اللّه عليه وسلّم من الرعب والفزع عند رؤية الملك، وتكون حادثة التزمل هي حادثة التدثر بعينها، أما على القولين الأولين فيصحّ أن يكون السبب واحدا أيضا، كما يصحّ أن يكون مختلفا.
والحكمة في ندائه عليه الصلاة والسلام بوصف التزمل هو إرادة ملاطفته وإيناسه، على نحو ما كان عليه العرب في مخاطباتهم في مثل هذه الحالة، ومن ذلك
قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم لعلي لما غاضب فاطمة، وكان نائما قد لصق بجبينه التراب فقال له :
«قم أبا ترب» «١».
قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ المراد من قيام الليل صلاة التهجد، وذلك بتقدير الصلاة، أي انهض لصلاة الليل، أو بتضمين (قم) معنى صل.
وقد أعرب بعض المفسرين :(الليل) ظرفا لفعل القيام، جريا على مذهب البصريين الذين يجوّزون في مثله أن يكون ظرفا، ولو استغرقه الحدث، كما هنا، فإنّ المعنى على إرادة جميع أجزاء الليل حتى يصحّ الاستثناء بقوله : إِلَّا قَلِيلًا فإنّ الاستثناء معيار العموم.
أما على رأي الكوفيين الذين يمنعون ذلك فنصب الليل يكون من قبيل النصب على المفعولية.
ومعنى قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (٢) انهض للصلاة مستغرقا بها الليل إلا جزءا قليلا منه، ونِصْفَهُ بدل كل من الليل بعد مراعاة الاستثناء، فكأنه قيل : قم نصف الليل، ويصحّ أن يكون بدلا من قَلِيلًا والأمران في قوله تعالى : أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا أَوْ زِدْ عَلَيْهِ معطوفان على الأمر الأول. والضميران في (منه) و(عليه) عائدان على الليل بعد مراعاة الاستثناء، والإبدال أيضا. ويصحّ أن يعود على (نصفه) والمآل واحد.
وحاصل المعنى أنه صلّى اللّه عليه وسلّم مأمور بأن يقوم من الليل للتهجد، وأنّ اللّه خيّره أن يقوم نصف الليل، وأن ينقص من النصف مقدارا قليلا، وأن يزيد على ذلك النصف، ولم تقيد الزيادة على النصف بالقلّة، كما قيّد النقص بها، لأنّ الزيادة الكثيرة لا تخلّ بالأمر، بل فيها زيادة برّ وعمل صالح. أمّا النقص الكثير عن النصف فعلى خلاف ذلك، إذ إنّه مخلّ بالمطلوب.
هذا وقد قال العلماء : إنّه في حالة النقص عن النصف لا يتحقق الوفاء إلا إذا كان النقص لا يبلغ الربع، وهو ظاهر، إذ لا يقال في الاستعمال العربي لمن اقتصر على الربع إنه أنقص من النصف قليلا - ومن العلماء من قال : إنّ القليل هو ما دون