ص : ٨١
وأما من كان مجنونا في رمضان، وأفاق بعضا منه، فالشافعية على أصحّ الأقوال عندهم أنه يصوم ما شهد فقط، ولا قضاء عليه لغيره، ومن أفاق في أثناء النهار اختلف في تكليفه بالقضاء عندهم.
وترى الحنفية أن شهود أي جزء من الشهر موجب صيامه كلّه.
وقد قالوا : إنّ الآية تشهد لهم، لأنّك قد علمت أنّ إجراءها على ظاهرها محال، فلا بدّ من تقديره البعض، فيكون المعنى عندهم فمن شهد بعض الشهر فليصمه جميعه.
فإن قيل لهم : لما ذا قدّرتم البعض في الأول، ولم تقدروه في الثاني؟
قالوا : إنا لجأنا للإضمار للضرورة، والضرورة تقدّر بقدرها، وقد اندفعت بإضمار في الأول، مع بقاء الثاني على حاله.
ولكن لقائل أن يقول لهم : إن الضمير في قوله تعالى : فَلْيَصُمْهُ راجع إلى ما قبله، فإن كان ما قبله مراد منه الجميع، كان هو مرادا منه الجميع، وإن كان البعض كان مرادا منه البعض، أما إن أريد بالمرجع شيئا وبالضمير غيره فهو غير ظاهر.
وقد أورد على الحنفية ما يأتي : معقول أنه إذا أفاق أثناء الشهر أن نوجب عليه ما بقي في الشهر بعد ذلك، لكن غير معقول أن نوجب عليه صوم ما مضى، لأنّ شهود الجزء لا يتأتّى أن يكون سببا لصوم ما قبله، وإلا كنا قد كلفناه الصوم قبل وقته.
وقد أجابوا عن هذا بأنّا نوجب عليه قضاء الأيام الماضية لا صومها هي، وجائز إلزامه القضاء مع امتناع خطابه وقت الأداء، كالمغمى عليه والناسي والنائم.
وقد اختلف العلماء أيضا في الصبي يبلغ والكافر يسلم في بعض رمضان، فقال أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد، وزفر، ومالك بن أنس في «الموطأ» وعبد اللّه بن حسن «١»، والليث «٢»، والشافعي : إنهما يصومان ما بقي، وليس عليهما قضاء ما مضى ولا اليوم الذي حصل فيه البلوغ والإسلام.
وقال ابن وهب «٣» عن مالك : أحبّ إليّ أن يقضياه.
وقال الأوزاعي في الغلام يبلغ في النصف من رمضان : إنه يقضي ما مضى، فإنه كان يطيق الصوم.

(١) أبو محمد المدني الهاشمي تابعي، من أهل المدينة، انظر الأعلام للزركلي (٤/ ٧٨).
(٢) الليث بن سعد أبو الحارث، فقيه مصر توفي (١٧٥ ه) أصله من خراسان، انظر الأعلام للزركلي (٥/ ٢٤٨).
(٣) عبد اللّه بن وهب بن مسلم الفهري القرشي توفي (١٩٦ ه) في مصر انظر، الأعلام للزركلي (٤/ ١٤٤).


الصفحة التالية
Icon