ص : ٨٢
وقد علمت أن شرط التكليف بالصوم البلوغ والعقل والإسلام، والصبي والكافر لم يكونا مكلفين قبل البلوغ والإسلام. فلا معنى لإلزامهما به على أن الكافر إذا أسلم فهو معفى من التكاليف الماضية، قال اللّه تعالى : قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ [الأنفال : ٣٨].
ولعلك تقول : كيف يكون شهود الشهر؟ فنقول : إن شهوده يكون برؤية هلاله، أو بالعلم أنه قد رئي، ولا عبرة بالحساب وعلم النجوم عند الحنفية.
واعتمد بعضهم الحساب، وقد روي في ذلك أحاديث كثيرة، بعضها يؤيد هذا، وبعضها يؤيد هذا :
فقد روي عن ابن عمر أنه قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم :«الشهر تسع وعشرون، ولا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غمّ عليكم فاقدروا له» «١»
وكان ابن عمر إذا كان تسعا وعشرين نظر إليه، فإن رؤي فذاك، وإن لم ير، ولم يحل دون منظره سحاب أصبح مفطرا، وإن لم ير وحال دون رؤيته سحاب أو قترة أصبح صائما، قال : وكان ابن عمر يفطر مع الناس، ولا يأخذ بهذا الحساب. فأنت ترى أنه قد اعتمد الرؤية، ولم يعتمد تقديره. وهذا هو الموافق لظاهر قوله تعالى : يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [البقرة : ١٨٩].
وقد اختلفوا في معنى
قوله صلّى اللّه عليه وسلّم :«فإن غمّ عليكم فاقدروا»
فقال بعضهم : اعتبار منازل القمر فإن كان في موقع القمر - ولو لم يحل دونه سحاب وقتر لرئي - ولم ير، يحكم له بحكم الرؤية.
وقال آخرون : فاقدروا له «فعدوا شعبان ثلاثين يوما» وقد جاءت أحاديث بالصيغة الأخيرة «٢». ولو أوردناها لطال بنا القول، وموضعها علم الفقه، وكما يرجع إليه في هذا يرجع إليه في اعتبار اختلاف المطالع وعدمه في إلزام جميع المسلمين الصوم.
وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.
قد تقدم شرح هذه الآية، غير أنهم قالوا : إن في الآية ما يدل على أنّ قضاء رمضان لا يجب فيه التتابع، وذلك لأن (عدة) جاء منكّرا غير معيّن، وذلك يقتضي جوازه مفرّقا، وأيضا فقد قال تعالى : يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ والتيسير لا يكون بإلزامه أن يصوم كله دفعة. أيضا قال تعالى : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ فدل

(١) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٧٥٩)، ١٣ - كتاب الصيام، ٢ - باب وجوب صوم رمضان حديث رقم (٣/ ١٠٨٠).
(٢) رواه البخاري في الصحيح (٢/ ٢٨٠)، ١١ - باب قول النبي صلّى اللّه عليه وسلّم إذا رأيتم الهلال حديث رقم (١٩٠٧).


الصفحة التالية
Icon