ص : ٨٣
على أن المراد في القضاء هو صوم العدة، ولو غير متتابعة، ولو كان التتابع مشروطا لبينه كما بينه في الكفارة.
يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
بيّن اللّه تعالى فيما تقدم أنّ شرع الصيام لنا هو شرعة في الأمم، وأنا لم نكن بدعا فيه، وهو مع ذلك في زمن قليل أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ هي شهر رمضان، ومع ذلك فقد رخّص فيه لأولي الأعذار ومن لا يقدرون على صومه إلى عدة من أيام أخر، وإلى الفدية.
وفي هذه الآية يبيّن اللّه تعالى أنه فعل ذلك تيسيرا وتسهيلا علينا في التكاليف، فهو لم يكلفنا ما فيه إعنات لنا ومشقة علينا، فهل يجب في مقابلة ذلك إلا الشكر؟
وأصل اليسر في اللغة السهولة. معناه السهولة ومنه يقال للغني والسعة اليسار، لأنه يسهل به صعب من الأمور. والعسر ما يقابله.
وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ : علّة لمحذوف، وللعلماء في هذا المحذوف وجهان :
الأول : ما ذهب إليه الفرّاء «١» من أن التقدير : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ فعل جملة ما ذكر، وهو الأمر بصوم العدة، وتعليم كيفية القضاء، والرخصة بإباحة الفطر. وذلك أن اللّه لما ذكر هذه الأمور الثلاثة ذكر عقبها ثلاثة ألفاظ، فقوله : وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ علّة للأمر بمراعاة العدة، وقوله : وَلِتُكَبِّرُوا علّة تعليم كيفية القضاء، وقوله : لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ علة الترخيص والتسهيل. والحذف في هذا نظير الحذف في قوله : وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (٧٥) [الأنعام : ٧٥] أي أريناه ليكون. وأنت ترى أن الفرّاء على هذا يقدّر المحذوف متأخرا، ويجعل العلل مرتبة على سبيل اللف.
والوجه الثاني : ما ذهب إليه الزجاج من أن التقدير : أن الذي تقدم ذكره من تكليف المقيم الصحيح، والرخصة للمريض، والمسافر، إنما هو لإكمال العدة، لأنه مع الطاقة يسهل عليه إكمال العدة، ومع الرخصة في المرض والسفر يسهل إكمال العدة بالقضاء، فلا يكون عسرا، فبيّن اللّه تعالى أنه كلّف الكل على وجه لا يكون إكمال العدة عسيرا، بل يكون سهلا يسيرا.
وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ قيل : إن المراد منه التكبير ليلة الفطر. قال ابن عباس : حقّ على المسلمين إذا رأوا هلال شوال أن يكبروا.
وروي عن الزهري عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم :«أنه كان يكبّر يوم الفطر إذا خرج إلى

(١) يحيى بن زياد، عالم الكوفة بالنحو واللغة والأدب توفي (٢٠٧ ه)، انظر الوفيات (٦/ ١٧٦).


الصفحة التالية
Icon