ص : ٨٩
وَكُلُوا وَاشْرَبُوا : إطلاق من حظر، كما في قوله تعالى : فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ [الجمعة : ١٠] وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا [المائدة : ٢] حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ المراد منه : حتى يستبين النهار من الليل، وذلك يكون بظهور الفجر الصادق، وقد روي أنّ رجالا منهم أخذوا اللفظ على ظاهره، وحملوه على حقيقة الخيط الأبيض والخيط الأسود، وتبيّن أحدهما من الآخر. قال : كما
روي عن عدي بن حاتم، لما نزلت : حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ أخذت عقالا أبيض وعقالا أسود فوضعتهما تحت وسادتي، فنظرته فلما أتبين، فذكرت ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فضحك، وقال :«إنّ وسادك لعريض، إنما هو اللّيل والنّهار» «١».
وقال عثمان : إنما هو الليل وبياض النهار.
وقد استبعد الفخر الرازي هذه الرواية على رجل مثل عدي بن حاتم، فإنه يبعد على أي رجل أن يفهم من هذا اللفظ أنّ المراد الخيط الأسود حقيقة مع قوله : مِنَ الْفَجْرِ خصوصا، وقد كان هذا التعبير مألوفا عند العرب، وكان ذلك عندهم اسما لسواد الليل وبياض النهار في الجاهلية قبل الإسلام. قال أبو دؤاد الإيادي :
ولمّا أضاءت لنا ظلمة ولاح من الصّبح خيط أنارا
ووجه تشبيه الليل والنهار بالخيطين أن الصبح أول ما يستبين، وتنجاب ظلمة الليل، يبدو الصبح رفيعا كالخيط. وبمقدار ما يظهر من خيط الصبح ينجاب خيط من الليل الأسود.
وقد روي عن النبي صلّى اللّه عليه وسلّم ما يفيد تحديد مدة الصيام : من الفجر إلى غروب الشمس، كالذي
روي عن عبد اللّه بن سوادة القشيري عن أبيه قال : سمعت سمرة بن جندب يخطب وهو يقول : قال رسول اللّه :«لا يمنعكم من سحوركم أذان بلال، ولا بياض الأفق الذي هكذا، حتى يستطير» «٢».
وبهذا يتبين بطلان ما زعمه الأعمش من أن للصائم أن يأكل ويجامع بعد الفجر، وقبل طلوع الشمس، وهو غريب جدا. يزعم في توجيهه أنه لما كان الليل بغروب
(٢) رواه مسلم في الصحيح (٢/ ٧٦٩)، ١٣ - كتاب الصيام، ٨ - باب بيان أن الدخول في الصوم حديث رقم (٤١/ ١٠٩٤) وأبو داود في السنن (٢/ ٢٩٠)، كتاب الصوم باب وقت السحور حديث رقم (٢٣٤٦). [.....]