ص : ٩٢
وقال الشافعية والحنابلة : إن أفسد ما دخل فيه من تطوّع فلا قضاء عليه إلا في حجّ النفل عند الحنابلة، فيجب إتمامه.
وقد استدل الحنفية بغير هذه الآية، فقالوا : قال اللّه تعالى : وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ [محمد : ٣٣] والنفل الذي شرع فيه عمل من الأعمال، فوجب عليه عدم إبطاله، فإذا بطل أو أبطله فقد ترك واجبا، ولا تبرأ ذمّته إلا بإعادته، وورد في السنة ما يؤيده، وهو ما
روى عبيد اللّه بن عمر، عن ابن شهاب، عن عروة، عن عائشة أنها قالت : أصبحت أنا وحفصة صائمتين متطوعتين، فأهدي إلينا طعام، فأفطرنا، فسألت حفصة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال :«اقضيا يوما مكانه» «١».
واستدلّ الشافعية ومن معهم بقوله تعالى : ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ [التوبة : ٩١] وبقوله عليه الصلاة السلام :«الصّائم المتطوّع أمير نفسه» «٢»
، والمسألة خلافية كما ترى، والذي يهمّنا هو : هل في هذه الآية دلالة لأحد من المختلفين أو لا؟ يرى الحنفية أنّ لفظ الصيام يتناول كلّ صوم شرع فيه، وقد أمر بإتمامه، وبإبطاله فات الواجب، ولا يجبر إلا بالإعادة، وكون الآية وردت في صوم الفرض لا يغيّر من عموم اللفظ شيئا.
والذي يظهر أن الآية ليست بصدد بيان وجوب إتمام ما شرع فيه فرضا أو نفلا، بل بصدد تحديد الزمن الذي يحلّ فيه تناول المفطرات، والذي لا يحلّ، فقالت في الأول : أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ إلى قوله : وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ وقالت في الثاني : ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ أي أنه بعد الفجر لا يحلّ لكم أن تتناولوا شيئا مما أحلّ لكم تناوله ليلا. ولا تعرّض فيها لنفل شرع فيه ثم فسد، ولا لفرض شرع فيه ثم فسد، بل لذلك حكم آخر يستفاد من دليل مستقل.
وقد فهم الحنفية من هذه الآية أيضا أن تبييت النية غير لازم، ووجهه عندهم أن لفظ (ثم) يفيد التراخي، والإجماع قائم على وجوب الإمساك من الفجر، ووجوب الإمساك من الفجر مدلول عليه بذكر الغاية إلى الْفَجْرِ، فإنّ معناه أن ما كان حلالا قبله يحرم بمجيئه، وذلك بالإمساك من الفجر، فإذا أمسكنا فعلينا الإتمام، والإتمام إنما يكون بقصد، فكأنّ النية التي هي القصد لم تطلب إلا بعد تحقّق الصيام، فكان ذلك دليلا على أنّ النية تكون بعد الصيام، فلا يلزم تبييتها، وهو المطلوب.
(٢) رواه الترمذي في الجامع الصحيح (٣/ ١٠٩) في الصوم، باب ما جاء في إفطار الصائم حديث رقم (٧٣٢).