ص : ٩٣
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أنّ الآية تدلّ على التبييت، وذلك أن معنى أَتِمُّوا الصِّيامَ صيّروه تاما من الفجر، وهو لا يكون تاما من الفجر إلا بالنية، وهذا هو الظاهر، لأنّ إتمام الشيء لا يكون إلا لشيء قد شرع فيه، وهو هنا الصوم، وقد علمت أن الصوم لا يكون صوما إلا بالنية، تمييزا للعادة من العبادة، إذ قد يمسك الإنسان عن الأكل حمية، ثم لا يكون صوما، لأنه لم ينو، فإن كان هناك دليل غير الآية فهو الذي يدل على عدم تبييت النية.
وقد عرض المفسرون هنا لأحكام الصائم إذا نسي وأكل ماذا يكون؟ أيلزمه الإتمام، أم له الإفطار إلخ، أو يلزمه القضاء، أم لا؟ وترى أن كل ذلك يجب أن يبحث عنه في غير هذه الآية.
وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.
الاعتكاف في اللغة : اللبث. قال تعالى : ما هذِهِ التَّماثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَها عاكِفُونَ [الأنبياء : ٥٢] وقال الشاعر :
فباتت بنات الليل حولي عكّفا عكوف البواكي بينهنّ صريع
ثم زيد عليه في الشرع قيود : منها : العكوف في المسجد، ومنها : ترك الجماع، ومنها : نية التقرب إلى اللّه تعالى، فأما العكوف في المسجد فهو في حق الرجال فقط، وأما النساء فيعكفن في مصلّى البيت دفعا للفتنة، والمسجدية مستفادة من قوله تعالى :
وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ قاله أبو بكر الرازي «١» :
وقد وقع الاختلاف في المسجد الذي يكون فيه الاعتكاف : فقد روى إبراهيم النخعي «٢» أن حذيفة قال : لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة، المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
وروي عن علي رضي اللّه عنه : أنه لا اعتكاف إلا في المسجد الحرام، ومسجد النبي صلّى اللّه عليه وسلّم.
وقال جماعة منهم عبد اللّه بن مسعود، وعائشة، وإبراهيم، وسعيد بن جبير. وأبو جعفر «٣». وعروة بن الزبير : لا اعتكاف إلّا في مسجد جماعة.
فأنت ترى السلف قد أجمعوا على أنّ الاعتكاف لا يكون إلا في مسجد على ما بينهم من الاختلاف في تعيين المسجد الذي يصحّ فيه الاعتكاف.
(٢) إبراهيم بن يزيد بن قيس أبو عمران النخعي الفقيه الكوفي توفي (٩٦ ه) مختفيا من الحجاج، انظر الأعلام للزركلي (١/ ٨٠).
(٣) هو محمد الباقر رضي اللّه عنه.