وظاهر من هذا أنه من العمل المتأخر عن عصر الصحابة رضي الله عنهم والمتحرر عند علماء الأصول: أن جريان العمل فيما لا يتصل بعصر الصحابة رضي الله عنه لا يعتبر حجة في ((التعبد)) ولا يلتفت إليه؛ لقاعدة: ((وقف العبادات على النص ومورده)) (١). وظاهر من كلمة الإِمام مالك رحمه الله تعالى أنه لم يكن محل اتفاق بعدهم، رضي الله عنهم (٢).
ومذهب الجمهور من أهل العلم: الاحتجاج بما نقل عن الصحابة رضي الله عنهم. في ذلك فقط، كما قرره شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله في ((صحة أصول مذهب أهل المدينة)) (٣)، مع الأخذ في الاعتبار بما هو مقرر في: أصول الحديث، والفقه، من أن الصحابي إذا رأى خلاف ما روى؛ فالعبرة بروايته لا برأيه.
وأن الصحابي أيضاً: إذا رأى رأياً صح عنه، وثبت في المرفوع ما هو على خلافه، فالأخذ بالثابت المرفوع هو المتعين. وإذا كان هذا في حق الصحابة رضي الله عنهم وهو أبرّ الأمة قلوباً فكيف بمن تأخر عن طبقتهم؟ ومعلومة وجوه الاعتذار في هذا عن الصحابة رضي الله عنهم، وعمن بعدهم من أهل العلم كما في ((رفع الملام عن الأئمة الأعلام)) لشيخ الإِسلام ابن تيمية، رحمه الله تعالى.
ومعلوم أيضاً أن المنتسب إلى مذهب، كالحنفي والحنبلي مثلاً، لو ترك في مسألةٍ مذهبَ إمامه؛ لقيام الدليل على خلافه، فإن هذا هو عين التقليد في صورة ترك التقليد، لقول كل إمام: (إذا صح الحديث فهو مذهبي) ولهذا كان شيخ الإِسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يأخذ من وقف الحنابلة لانتسابه إلى المذهب، ولم تكن اختياراته مخرجة له من المذهب، كما حكاه تلميذه ابن القيم عنه في ((إعلام الموقعين)).
(٢) انظر: التنكيل للمعلمي ١ / ٢٣.
(٣) ص ٢٣- ٢٨.