قال الباقلاني(٣٩) وإن أردت أنه ينسى القدرَ الذي ينساه العالْم الحافظُ بالقرآن، الذي لا يُنسَب صاحبه إلى بلادةٍ، فإن ذلك جائز بعد أدائه وبلاغه، والذي يدل على جوازه أنه غير مفسدٍ له، ولا قادح في آياته، ولا مفسد لكمال صفاته، ولا مسقط لقدره، ولا منزل له عنه، ولا معرضٍ بتهمته.(٤٠)
ثالثًا: أن قوله - ﷺ - :( أسقطتها ) مفسرةٌ بقوله في الرواية الأخرى: ( أُنْسِيتُها )، فدل على أنه - ﷺ - أسقطها نسيانًا لا عمدًا، فلا محل لما أوردوه من أنه - ﷺ - قد يكون أسقط عمدًا بعض آيات القرآن.
قال النووي: قوله - ﷺ - :"كنت أُنْسِيتُها" دليل على جواز النسيان عليه - ﷺ - فيما قد بلَّغه إلى الأمة.(٤١)
وترد هنا مسألة وقوع النسيان من النبي - ﷺ -، وهي الْمسألة الآتية.
مسألة وقوع النسيان من النبي - ﷺ -
وقوع النسيان من النبي - ﷺ - يكون على قسمين:
الأول: وقوع النسيان منه - ﷺ - فيما ليس طريقه البلاغ.
فهذا جائز مطلقًا لما جُبل عليه - ﷺ - من الطبيعة البشرية.
والثاني: وقوع النسيان منه - ﷺ - فيما طريقه البلاغ.
وهذا جائز بشرطين:
الشرط الأول: أن يقع منه النسيان بعد ما يقع منه تبليغه، وأما قبل تبليغه فلا يجوز عليه فيه النسيان أصلاً.
قال النووي في شرح قوله - ﷺ - :"كنت أُنْسِيتُها": دليل على جواز النسيان عليه - ﷺ - فيما قد بلَّغه إلى الأمة.(٤٢)
الشرط الثاني: أن لا يستمر على نسيانه، بل يحصل له تذكره: إما بنفسه، وإما بغيره.(٤٣)