وعَن الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قال: كُنْتُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - فَقال: ادْعُ لِي زَيْدًا وَلْيَجِئْ بِاللَّوْحِ وَالدَّوَاةِ وَالْكَتِفِ أَوِ الْكَتِفِ وَالدَّوَاةِ.(٣٠)
وعَنْ يَزِيدَ بْنِ عَبْدِ اللهِ قَالَ: كُنَّا بِالْمرْبَدِ فَجَاءَ رَجُلٌ أَشْعَثُ الرَّأْسِ بِيَدِهِ قِطْعَةُ أَدِيمٍ أَحْمَرَ، فَقُلْنَا: كَأَنَّكَ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ؟ فَقَالَ: أَجَلْ. قُلْنَا: نَاوِلْنَا هَذِهِ الْقِطْعَةَ الأَدِيمَ الَّتِي فِي يَدِكَ، فَنَاوَلَنَاهَا فَقَرَأْنَاهَا فَإِذَا فِيهَا: مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ إِلَى بَنِي زُهَيْرِ بْنِ أُقَيْشٍ …(٣١)
قال ابن الأثير: وحديث الزهري: والقرآن في الكرانيف. يعني أنَّه كان مكتوبًا عليها قبل جمعه في الصحف.(٣٢)
هذه الآثار وغيرها تدلنا على عظيم بلاء الصحابة في كتابة القرآن، وما تحملوه من الْمشقات، حيث إن مواد الكتابة في ذلك العهد لم تكن متوفرة، كما أن الْموجود منها لم يكن سهل الاستعمال، بل كان يحتاج إلى جهد كبير في التجهيز والإعداد.
وبقي القرآن مكتوبًا على هذه الأشياء محفوظًا عند النبي - ﷺ - وأصحابه، ولم يجمع في صحف أو مصاحف في ذلك العهد.(٣٣)
قال القسطلاني:(٣٤) وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده - ﷺ -، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور.(٣٥)
الْمبحث الثاني: أسباب عدم جمع القرآن الكريم في مصحف واحد
توفي النبي - ﷺ - والقرآن مفرقٌ في الرقاع والعسب والعظام والأحجار، ولم يُجمع القرآن في زمنه - ﷺ - في صحف ولا مصاحف:
فعن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال: قُبِضَ النَّبِيُّ - ﷺ -، وَلَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ جُمِعَ فِي شَيْءٍ.(٣٦)
قال السيوطي: ولا ينافي ذلك ؛(٣٧) لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة.(٣٨)