فهذا حديثٌ صريحٌ في أن إثبات هذه الآية في مكانِها مع نسخها توقيفي، لا يستطيع أحدٌ أن يتصرَّف فيه، لأنه لا مجال للرأي في مثله.(٤٥)
قال السيوطي: ومن النصوص الدالة على ذلك إجمالاً: ما ثبت من قراءته - ﷺ - لسور عديدة كالبقرة وآل عمران والنساء في حديث حذيفة،(٤٦) والأعراف في المغرب،(٤٧) وقد أفلح في الصبح…(٤٨) ثم قال: تدل قراءته - ﷺ - لها بِمشهد من الصحابة أن ترتيب آيها توقيفيٌّ، وما كان الصحابة ليرتبوا ترتيبًا سمعوا النبي - ﷺ - يقرأ على خلافه، فبلغ ذلك مبلغ التواتر.(٤٩)
ولا يَرِد على هذا الإجماع ما رواه أحمد وابن أبي داود عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ أَتَى الْحَارِثُ بْنُ خَزَمَةَ(٥٠) بِهَاتَيْنِ الآيَتَيْنِ مِنْ آخِرِ بَرَاءةَ } لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ { إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ مَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا قَالَ لا أَدْرِي وَاللهِ إِلاَّ أَنِّي أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - وَوَعَيْتُهَا وَحَفِظْتُهَا. فَقَالَ عُمَرُ: وَأَنَا أَشْهَدُ لَسَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ - ﷺ -، ثُمَّ قَالَ لَوْ كَانَتْ ثَلاَثَ آيَاتٍ لَجَعَلْتُهَا سُورَةً عَلَى حِدَةٍ فَانْظُرُوا سُورَةً مِنَ الْقُرْآنِ فَضَعُوهَا فِيهَا فَوَضَعْتُهَا فِي آخِرِ بَرَاءةَ.(٥١)
قال الحافظ ابن حجر: ظاهر هذا أنَّهم كانوا يؤلفون آيات السور باجتهادهم، وسائر الأخبار تدل على أنَّهم لم يفعلوا شيئًا من ذلك إلا بتوقيف.(٥٢)
فالجواب عن هذا الخبر بوجهين:
الأول: أنه معارض للقاطع، وهو ما أجمعت عليه الأمة، ومعارض القاطع ساقطٌ عن درجة الاعتبار، فهذا خبر ساقطٌ مردودٌ على قائله.
الثاني: أنه معارض لِمَا لا يُحصى من الأخبار الدالة على خلافه.(٥٣)


الصفحة التالية
Icon