كما أن قول ابن عباس: "عَمَدْتُمْ إِلَى سُورَةِ الأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى سُورَةِ بَرَاءةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ … فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ" يحمل ما يرد احتجاج هؤلاء بِهذا الحديث، فهو ذا يذكر أن الأنفال من المثاني، وأن براءة من المئين، ويقول: فوضعتموهما في السبع الطوال، وهذا يدل على أن السبع الطوال كانت معلومة توقيفًا قبل الجمع، وكذلك المثاني، وكذلك المئون، وإلا فما وجه استنكار ابن عباس هذا الترتيب؟!
٤ - أما حديث يوسف بن ماهك عن عَائِشَةَ -رَضِي الله عَنْهَا- فيرد عليه بأن هذا العراقي إنَّما سأل عن ترتيب السور، وكان مِمَّن يأخذ بقراءة ابن مسعود، وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة، لم يوافق أول الأمر على الرجوع عن قراءته، ولا على إعدام مصحفه، وكان تأليف مصحفه مغايرًا لتأليف مصحف عثمان، فلذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف.(٥٠)
وأما الفريق الثالث القائل بالتفصيل، فيجاب بنفس الأجوبة، إذ لم يأت بدليل جديد، كما يرد عليهم أيضًا بأن العلم بتوقيف البعض يدل على التوقيف في الكل، إذ لو علم الصحابة التوقيف لَما فاتَهم أن يسألوا عن كل سورة بعينها، والنبي - ﷺ - حَيٌّ بين أظهرهم، وإلا لكانوا -وحاشاهم- مقصرين في حفظ القرآن.
فإن قيل: إن الروايات الْمحتج بِها وأمثالها خاصة بِمحالِّها، ثم هي ظنية في الدلالة على كون الترتيب عن توقيف.
فالجواب أن إجْماع الصحابة على هذا الترتيب يدل على انسحاب ما دلت عَلَيْهِ هذه الروايات من الترتيب على كل القرآن، ويقطع الظن في دلالتها.
وإن قيل: إن الإجماع الذي استندتم إليه لا يدل على التوقيف في ترتيب جميع السور، لأنه لا يشترط أن يستند الإجماع إلى نص.