مرَّ بنا أنَّ القرآن لم يجمع في كتاب واحد على عهد رَسُول اللهِ - ﷺ - لِما كان يَتَرَقَّبُهُ من نزول الوحي،(٨) ومعلومٌ أن الوحيَ إنَّما كان ينزل مفرَّقًا على ما يناسب الحوادث والمسائل، وقد كان ينسخ من السورة الآياتُ أو تزاد عليها، فلو أن القرآن جمع في كتاب واحد ثم طرأ نسخٌ أو زيادة لزم إعادة الكتابة مرة أخرى، فحصل بذلك مشقة عظيمة، فلمَّا انقطع بوفاة النبي - ﷺ - خبرُ السماء، أُمِن نزول شيء من القرآن يتغير معه ترتيب الآيات في السور، أو نقص أو زيادة بعضها.
عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ - رضي الله عنه - بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللهِ - ﷺ - وَسَلَّمَ لِعُمَرَ: انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ - ﷺ - يَزُورُهَا، فَلَمَّا انْتَهَيْنَا إِلَيْهَا بَكَتْ، فَقَالا لَهَا: مَا يُبْكِيكِ؟ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ - ﷺ -. فَقَالَتْ: مَا أَبْكِي أَنْ لاَ أَكُونَ أَعْلَمُ أَنَّ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ لِرَسُولِهِ - ﷺ -، وَلَكِنْ أَبْكِي أَنَّ الْوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ مِنَ السَّمَاءِ. فَهَيَّجَتْهُمَا عَلَى الْبُكَاءِ، فَجَعَلاَ يَبْكِيَانِ مَعَهَا.(٩)
فكان انقضاء نزول القرآن سببًا لجمعه في كتابٍ واحد؛ حفاظًا عليه من الضياع والتبديل.
٣ - وقعة اليمامة(١٠)
ما إن توفي رسول الله - ﷺ -، وانتقل الأمر إلى أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - حتى ارتد كثير من العرب، ومنع كثير منهم ما كان يؤديه من الزكاة إلى رسول الله - ﷺ - باعتبار الزكاة خراجًا أو ضريبة كانت مفروضة للنبي - ﷺ -.
وادعى بعض الأدعياء من العرب النبوة، فاضطلع أبو بكر بِمهمة قتال هؤلاء المرتدين ومانعي الزكاة ومدعي النبوة.


الصفحة التالية
Icon