وَلَيْسَ هَذَا بِالْمُنْتَظَرِ الَّذِي تَتَوَهَّم الرَّافِضَةُ وُجُودَهُ ثُمَّ ظُهُورَهُ مِنْ سِرْدَاب سَامِرَا فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ لَهُ حَقِيقَة وَلَا وُجُود بِالْكُلِّيَّةِ بَلْ هُوَ مِنْ هَوَس الْعُقُول السَّخِيفَة وَتَوَهُّم الْخَيَالَات الضَّعِيفَة وَلَيْسَ الْمُرَاد بِهَؤُلَاءِ الْخُلَفَاء الِاثْنَا عَشَر الْأَئِمَّة الِاثْنَا عَشَرَ الَّذِينَ يَعْتَقِد فِيهِمْ الِاثْنَا عَشَرَ مِنْ الرَّوَافِضِ لِجَهْلِهِمْ وَقِلَّةِ عَقْلهمْ. ا. هـ.
وقال شيخُ الإسلام في الفتاوي :
وَيَقُولُونَ : إنَّمَا كَانُوا عَلَى الْحَقِّ لِأَنَّ فِيهِمْ الْإِمَامَ الْمَعْصُومَ وَالْمَعْصُومُ عِنْدَ الرَّافِضَةِ الْإِمَامِيَّةِ الِاثْنَا عَشْرِيَّةِ : هُوَ الَّذِي يَزْعُمُونَ أَنَّهُ دَخَلَ إلَى سِرْدَابِ سَامِرَا بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيِّ سَنَةَ سِتِّينَ وَمِائَتَيْنِ.
وَهُوَ إلَى الْآنَ غَائِبٌ لَمْ يُعْرَفْ لَهُ خَبَرٌ وَلَا وَقَعَ لَهُ أَحَدٌ عَلَى عَيْنٍ وَلَا أَثَرٍ.
وَأَهْلُ الْعِلْمِ بِأَنْسَابِ أَهْلِ الْبَيْتِ يَقُولُونَ : إنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ الْعَسْكَرِيَّ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسْلٌ وَلَا عَقِبٌ. وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعُقَلَاءَ كُلَّهُمْ يَعُدُّونَ مِثْلَ هَذَا الْقَوْلِ مِنْ أَسْفَهِ السَّفَهِ وَاعْتِقَادُ الْإِمَامَةِ وَالْعِصْمَةِ فِي مِثْلِ هَذَا : مِمَّا لَا يَرْضَاهُ لِنَفْسِهِ إلَّا مَنْ هُوَ أَسْفَهُ النَّاسِ وَأَضَلُّهُمْ وَأَجْهَلُهُمْ. وَبَسْطُ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا. ا. هـ.
رابط الموضوع
http://alsaha.fares.net/sahat؟١٤@٢١٤.Qng٤c٠t٨SnG^٢@.ef٣adaa
عبد الله زقيل
zugailam@yahoo.com
ومن هنا قال من قال : إن البحر الميت هو مكان خسف قرى قوم لوط، وكما تواطأت كتب التفسير والتاريخ الإسلامي على أن البحر الميت هو مكان الخسف بقرى قوم لوط، فقد نصت على ذلك الكتب التي بأيدي أهل الكتاب، جاء في صحيفة الصنداي تايمز اللندنية في العدد الصادر في نوفمبر عام ١٩٩٩: إن مدينة سدوم - أكثر المدن إثما في نظر الكتب المقدسة - على وشك أن تستقبل أول زائر لها منذ رحل عنها النبي لوط بسرعة قبل أن تدمر بنيران شديدة منذ ٤ آلاف سنة، سيقوم باحث بريطاني في غواصة صغيرة هذا الأسبوع بمغامرة في قاع البحر الميت حيث يعتقد أن بقايا مدينة سدوم ترقد هناك.
وهذه المنطقة، كما هو معروف أكثر منطقة على وجه الأرض انخفاضاً، بل ذكر بعض الباحثين أن الانخفاض فيها يزداد على مر السنين، مما دعا بعض الخبراء إلى الدعوة لإنفاذ البحر الميت عن طريق ضخ مياه البحر الأحمر إليه عبر قناة تسمى بقناة البحرين.
يقول الباحث إلياس سلامة وهو : أستاذ للجيولوجيا بالجامعة الأردنية : إنه في بداية الستينات كان منسوب المياه في البحر الميت ٣٩٢ متراً تحت سطح البحر، واليوم يبلغ منسوبة ٤١٢ متراً تحت سطح البحر.
وبيئة البحر الميت بيئة فريدة تجعل من الصعب أن تعيش فيه كائنات حية إذ ترتفع فيه درجة الملوحة بشدة، حتى إن اللتر الواحد يحتوي على ٣٠٠ جرام من الملح مقابل ٣٥ في المتوسط من البحار الأخرى.
وسادسها : أنه لو قال :" الْمُطَهَّرُونَ " وهذا يقتضي أن يكون تطهيرهم من غيرهم، ولو أريد طهارة بني آدم فقط لقيل : المتطهرون، كما قال تعالى :" فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ " [التوبة : ١٠٨]، وقال تعالى :" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ البقرة : ٢٢٢].
وسابعها : أن هذا مسوق لبيان شرف القرآن وعلوه وحفظه.
وقال الإمام ابن القيم في مدارج السالكين (٢/٤١٧) :
قلت : مثاله قوله تعالى :" لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " [ الواقعة : ٧٩] قال - يقصد الإمام ابن القيم شيخَ الإسلام - : والصحيح في الآية أن المراد به الصحف التي بأيدي الملائكة لوجوه عديدة :
- منها : أنه وصفه بأنه مكنون والمكنون المستور عن العيون وهذا إنما هو في الصحف التي بأيدي الملائكة.
- ومنها : أنه قال :" لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " [ الواقعة : ٧٩]، وهم الملائكة، ولو أراد المتوضئين لقال : لا يمسه إلا المتطهرون، كما قال تعالى : إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ " [ البقرة : ٢٢٢]. فالملائكة مطهرون، والمؤمنون متطهرون.
- ومنها : أن هذا إخبار، ولو كان نهيا لقال : لا يمسسه بالجزم، والأصل في الخبر أن يكون خبرا صورة ومعنى.
- ومنها : أن هذا رد على من قال : إن الشيطان جاء بهذا القرآن ؛ فأخبر تعالى : أنه في كتاب مكنون لا تناله الشياطين، ولا وصول لها إليه كما قال تعالى في آية الشعراء :" وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ. وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ [ عراء : ٢١٠ - ٢١١] وإنما تناله الأرواح المطهرة وهم الملائكة.
وقال قتادة وابن عباس بل هو يعني محمدا ﷺ آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم من أهل الكتاب يجدونه مكتوبا عندهم في كتبهم بهذه الصفة أميا لا يقرأ ولا يكتب ولكنهم ظلموا أنفسهم وكتموا وهذا اختيار الطبري ودليل هذا القول قراءة ابن مسعود وابن السميقع بل هذا آيات بينات وكان عليه السلام آيات لا آية واحدة لأنه دل على أشياء كثيرة من أمر الدين فلهذا قال بل هو آيات بينات وقيل بل هو ذو آيات بينات فحذف المضاف وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون أي الكفار لأنهم جحدوا نبوته وما جاء به.
وقال ابن كثير في تفسيره (٦/٢٨٦-٢٨٧) :
وقال ههنا " بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم " أي هذا القرآن آيات بينة واضحة في الدلالة على الحق أمرا ونهيا وخبرا يحفظه العلماء يسره الله عليهم حفظا وتلاوة وتفسيرا كما قال تعالى :" ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر" (القمر : ١٧)
وقال رسول الله ﷺ : ما من نبى إلا وقد أعطي ما آمن على مثله البشر وإنما كان الذى أوتيته وحيا أوحاه الله إلي فأرجو أن أكون أكثرهم تابع ( رواه البخاري ٧٢٧٤)
وفي حديث عياض بن حمار في صحيح مسلم : يقول الله تعالى إني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظان ( مسلم ٢٨٦٥)
أي لو غسل الماء المحل المكتوب فيه لما احتيج إلى ذلك المحل لأنه قد جاء في الحديث الآخر : لو كان القرآن في إهاب ما أحرقته النار. ( رواه أحمد في مسنده ٤/١٥١).
ولأنه محفوظ في الصدور ميسر على الألسنة مهيمن على القلوب معجز لفظا ومعنى ولهذا جاء في الكتب المتقدمة في صفة هذه الأمة أناجيلهم في صدورهم
قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ : وَلَمْ تَرِد كُلّهَا مَجْمُوعَة فِي أَوَّل الْقُرْآن وَإِنَّمَا كُرِّرَتْ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي التَّحَدِّي وَالتَّبْكِيت كَمَا كُرِّرَتْ قِصَص كَثِيرَة وَكُرِّرَ التَّحَدِّي بِالصَّرِيحِ فِي أَمَاكِن قَالَ وَجَاءَ مِنْهَا عَلَى حَرْف وَاحِد كَقَوْلِهِ - ص ن ق - وَحَرْفَيْنِ مِثْل" حم " وَثَلَاثَة مِثْل " الم " وَأَرْبَعَة مِثْل " المر " وَ " المص" وَخَمْسَة مِثْل " كهيعص - وَ - حم عسق " لِأَنَّ أَسَالِيب كَلَامهمْ عَلَى هَذَا مِنْ الْكَلِمَات مَا هُوَ عَلَى حَرْف وَعَلَى حَرْفَيْنِ وَعَلَى ثَلَاثَة وَعَلَى أَرْبَعَة وَعَلَى خَمْسَة لَا أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ "
قُلْت :" وَلِهَذَا كُلّ سُورَة اُفْتُتِحَتْ بِالْحُرُوفِ فَلَا بُدّ أَنْ يُذْكَر فِيهَا الِانْتِصَار لِلْقُرْآنِ وَبَيَان إِعْجَازه وَعَظَمَته وَهَذَا مَعْلُوم بِالِاسْتِقْرَاءِ وَهُوَ الْوَاقِع فِي تِسْع وَعِشْرِينَ سُورَة وَلِهَذَا يَقُول تَعَالَى " الم ذَلِكَ الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ " " الم اللَّه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ الْحَيّ الْقَيُّوم نَزَّلَ عَلَيْك الْكِتَاب بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْن يَدَيْهِ" " المص كِتَاب أُنْزِلَ إِلَيْك فَلَا يَكُنْ فِي صَدْرك حَرَج مِنْهُ" " الر كِتَاب أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْك لِتُخْرِج النَّاس مِنْ الظُّلُمَات إِلَى النُّور بِإِذْنِ رَبّهمْ " " الم تَنْزِيل الْكِتَاب لَا رَيْب فِيهِ مِنْ رَبّ الْعَالَمِينَ " " حم تَنْزِيلٌ مِنْ الرَّحْمَن الرَّحِيم" " حم عسق كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْك وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِك اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " وَغَيْر ذَلِكَ مِنْ الْآيَات الدَّالَّة عَلَى صِحَّة مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ لِمَنْ أَمْعَنَ النَّظَر وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
فكما ترى أن المسعودي - وهو متكلم فيه من جهة حفظه فقد اختلط - مرة يقول : عَنْ رَجُل يُقَال لَهُ سَعِيد.
ومرة : عَنْ أَبِي سَعِيد.
ثم بين ابن كثير كما في رواية ابن أبي حاتم من هو هذا الرجل بقوله : عَنْ أَبِي سَعْد وَهُوَ سَعِيد بْن الْمَرْزُبَان الْبَقَّال.
وسَعِيد بْن الْمَرْزُبَان الْبَقَّال ضعفه العقيلي، وابن الجوزي، والدارقطني، والذهبي، وابن حجر، ولا عبرة بمن وثقه.
فالسند إلى ابن عباس معلول في هذه الروايةِ.
وقال ابن كثير أيضا : وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو الْقَاسِم الطَّبَرَانِيّ عَنْ عَبْدَان بْن أَحْمَد عَنْ عِيسَى بْن يُونُس الرَّمْلِيّ عَنْ أَيُّوب بْن سُوَيْد عَنْ الْمَسْعُودِيّ عَنْ حَبِيب بْن أَبِي ثَابِت عَنْ سَعِيد بْن جُبَيْر عَنْ اِبْن عَبَّاس " وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ" قَالَ مَنْ تَبِعَهُ كَانَ لَهُ رَحْمَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَمَنْ لَمْ يَتْبَعهُ عُوفِيَ مِمَّا كَانَ يُبْتَلَى بِهِ سَائِر الْأُمَم مِنْ الْخَسْف وَالْمَسْخ وَالْقَذْف.
قال الهيثمي في " المجمع " (٧/١٧٠) : رواه الطبراني وفيه أيوب بن سويد، وهو ضعيف جداً، وقد وثقه ابن حبان بشروط فيمن يروي عنه وقال : إنه كثير الخطأ. والمسعودي قد اختلط. ا. هـ.
الخلاصة : أن الأثر لا يثبت عن ابن عباس رضي الله عنه.
ثانيا : وأما ما قاله أهل العلم في تفسير هذه الآية :" وَمَا أَرْسَلْنَاك إِلَّا رَحْمَة لِلْعَالَمِينَ " [ الأنبياء : ١٠٧ ]، فقد بينوا أن الآيات الأخرى بينت المقصود من الرحمة بالنسبة للكافر، وكذلك سنة المصطفى ﷺ.
فالأمم السابقة كان يحل بها العذاب بمجرد التكذيب والآيات في ذلك كثيرة منها :
١- تواضع النبي ﷺ حيث انه كان ينزل بمن لا يعرف ولا يذكر فهذا الأعرابي لو كان من رجالات العرب لذكر اسمه ومن أمثلة تواضعه صلى الله عليه وسلم
أن أنس رضي الله عنه مر على صبيان فسلم عليهم وقال :"كان ﷺ يفعله "
وكان ﷺ يقول:" آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد "
وكان ﷺ ينقل التراب يوم الخندق حتى أغبر بطنه صلوات ربي وسلامه عليه والأمثلة كثيرة
٢- رد الجميل لأهله حيث أن المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه عندما أكرمه هذا الأعرابي أراد أن يرد له الجميل وذلك بأمرين الأول دعوته لزيارته حيث قال له :" أتنا تعاهدنا " والثاني إكرامه بقوله :" سل حاجتك "
وقد حثنا الرسول الكريم على رد الجميل والمعروف لأهله في أحاديث وبين لنا ماذا نصنع إذا لم نكن نملك الرد المادي فقال ﷺ :" ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه... فإن لم تجدوا فادعوا الله له حتى تعلموا أن قد كافأتموه " أبو داود
وفي الطبراني الكبير :" ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئوه فادعوا له حتى يرى أن قد كافأتموه "
فهذا الحديث يحثنا على رد المعروف وإذا لم نستطع فيكون الرد عن طريق الدعاء لمن أسدى لنا المعروف
وفي الحديث الأخر قال ﷺ :" من أولي معروفا فليذكره فمن ذكره فقد شكره ومن كتمه فقد كفره "
٣ - خطورة التفريط بالأوامر الشرعية التي كلف الله بها عبادة وخطورتها راجعة إلى الأمة اجمع فأنظر إلى الأثر الذي ترتب على بني إسرائيل لتركهم العهد الذي عليهم تجاه نبي الله يوسف انه بقاء الأمة في العذاب وعدم الهداية إلى طريق الخلاص من عذاب فرعون وتأمل أن هذا كان مع وجود القائد المصلح نبي الله موسى فالخلل قد لا يكون من عدم وجود القائد بل من عدم استجابة الأمة
قال أبو جعفر : وهذا مما لا يدرك علمه إلا بخبر، ولا خبر بذلك تجب حجته. ا. هـ.
وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره (٦/٢٢٨) : وقد اختلف المفسرون في هذا الرجل من هو ؟
على أقوال :
أحدهما : أنه شعيب النبي الذي أرسل إلى أهل مدين. وهذا هو المشهور عند كثيرين، وقد قاله الحسن البصري وغير واحد.
وقال آخرون : بل كان ابن أخي شعيب.
وقيل : رجل مؤمن من قوم شعيب.
وقال آخرون : كان شعيب قبل زمان موسى بمدة طويلة لأنه قال لقومه :" وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ " (هود : ٨٩).
وقد كان هلاك قوم لوط في زمن الخليل بنص القرآن وقد علم أنه كان بين موسى والخليل مدة طويلة تزيد على أربعمائة سنة كما ذكره غير واحد. وما قيل : إن شعيبا عاش مدة طويلة إنما هو – والله أعلم - احتراز من هذا الإشكال ثم من المقوي لكونه ليس بشعيب أنه لو كان إياه لأوشك أن ينص على اسمه في القرآن هاهنا. وما جاء في بعض الأحاديث من التصريح بذكره في قصة موسى لم يصح إسناده.... ا. هـ.
وقد رد هذا القول أيضا الشيخ عبد الرحمن بن سعدي من عدة وجوه، فقال في تيسير الكريم المنان (٤/١٦) :
وهذا الرجل أبو المرأتين، صاحب مدين، ليس بشعيب النبي المعروف، كما اشتهر عند كثير من الناس، فإن هذا قول لم يدل عليه دليل. وغاية ما يكون أن شعيبا عليه السلام قد كانت بلده مدين، وهذه القضية جرت في مدين فأين الملازمة بين الأمرين ؟
وأيضا فإنه غير معلوم أن موسى أدرك زمان شعيب فكيف بشخصه ؟!! ولو كان ذلك الرجل شعيبا لذكره الله تعالى ولسمته المرأتان.
وأيضا فإن شعيبا عليه الصلاة والسلام قد أهلك الله قومه بتكذيبهم إياه. ولم يبق إلا من آمن به. وقد أعاذ الله المؤمنين به أن يرضوا لبنتي نبيهم بمنعهما عن الماء وصد ماشيتهما حتى يأتيهما رجل غريب فيحسن إليهما ويسقي ماشيتهما.
ذكره الذهبي في الميزان (١/١٤٤ – ١٤٥) وقال : قال العقيلي : منكر الحديث.
وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث، لا أُحَدِّث عنه.
وأورد له الذهبي هذا الحديث وقال : هذا حديث غريب، وهو مما أنكر على البزي. قال أبو حاتم : هذا حديث منكر.
وقال أيضا في السير (١٢/٥١) : وصحح له الحاكم حديث التكبير، وهو منكر.
وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (١/٣١٠) : وقال ابن أبي حاتم : قلت لأبي : ابن أبي بزة ضعيف الحديث ؟ قال : نعم، ولست أحدث عنه.
وقال العقيلي : يوصل الأحاديث.
وقال ابن كثير في التفسير (٨/٤٢٣) : فهذه سنة تفرد بها أبو الحسن أحمد بن محمد بن عبد الله البزي، من ولد القاسم بن أبي بزة. ا. هـ.
وبعد هذه النقولات يتبين أن ابن أبي بزة ضعيف في الحديث، وأن الحديث قد تفرد به، وأنكر حديثه الأئمة.
٣ - كلام العلماء على التكبير :
تكلم العلماء على هذا التكبير الذي أحدثه القراء بناء على الحديث الضعيف الذي بينا ضعفه آنفا، ومن هؤلاء شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – فقد سئل كما في الفتاوى (١٣/٤١٧ – ٤١٩) : وسئل رحمه الله عن جماعة اجتمعوا في ختمة وهم يقرؤون لعاصم وأبى عمرو، فإذا وصلوا إلى سورة الضحى لم يهللوا ولم يكبروا إلى آخر الختمة، ففعلهم ذلك هو الأفضل أم لا ؟ وهل الحديث الذي ورد في التهليل والتكبير صحيح بالتواتر أم لا ؟
فأجاب : الحمد لله. نعم إذا قرؤوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل ؛ بل المشروع المسنون، فإن هؤلاء الأئمة من القراء لم يكونوا يكبرون لا في أوائل السور ولا في أواخرها.
رواه أحمد (٥/١١) والترمذي (٥/٢٥٠ح٣٠٧٧) والحاكم (٢/٥٤٥)، وقال الترمذي : هذا حديث حسن غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث عمر بن إبراهيم عن قتادة. ورواه بعضهم عن عبدالصمد ولم يرفعه عمر بن إبراهيم شيخ بصري.
وقد أعل ابن كثير في تفسيره (٣/٦٣٥) هذا الحديث بثلاث علل فقال :
أحدها : أن عمر بن إبراهيم هذا هو البصري، وقد وثقه ابن معين ولكن قال أبو حاتم الرازي : لا يحتج به. ولكن رواه ابن مردويه من حديث المعتمر عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعا، فالله أعلم
الثاني : أنه قد روي من قول سمرة نفسه، ليس مرفوعا....
الثالث : أن الحسن نفسه فسر الآية بغير هذا، فلو كان هذا عنده عن سمرة مرفوعا لما عدل عنه. ا. هـ. إلى جانب ما ذكر الحافظ ابن كثير فإن عمر بن إبراهيم يرويه عن قتادة وروايته عن قتادة منكرة، قال الإمام أحمد : وهو يروي عن قتادة أحاديث مناكير يخالف.
وقال ابن عدي : يروي عن قتادة أشياء لا يوافق عليها وحديث خاصة عن قتادة مضطرب.
وقد حكم الحافظ الذهبي على هذا الحديث بالنكارة كما في ترجمة عمر في الميزان (٣/١٧٩) فقال : وهو حديث منكر كما ترى.
والحسن البصري قد جاء عنه بأسانيد صحيحة خلاف ما نقله عن سمرة كما ذكر ذلك ابن كثير عقب الآثار التي رواها عنه فقال : ولو كان هذا الحديث عنده محفوظا عن رسول الله ﷺ لما عدل عنه هو ولا غيره ولاسيما مع تقواه وورعه، فهذا يدلك على أنه موقوف على الصحابي ويحتمل أنه تلقاه من بعض أهل الكتاب، من آمن منهم مثل : كعب أو وهب بن منبه وغيرهما... إلا أننا برئنا من عهدة المرفوع. ا. هـ.
وممن أبطل القصة الشيخ محمد بن صالح العثيمين في القول المفيد شرح كتاب التوحيد (٣/٦٧) فقال – حفظه الله ونفع بعلمه - :
وهذه القصة باطلة من وجوه :
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : السِّجِلُّ كَاتِبٌ كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
رواه أبو داود (٢٩٣٥)، والنسائي في الكبرى (٦/٤٠٨ ح ١١٣٣٥) من طريق نوح بن قيس، عن يزيد بن كعب، عن عمرو بن مالك، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس به.
رجال الإسناد :
- نوح بن قيس :
قال عنه الحافظ في التقريب : صدوق رمي بالتشيع.
- يزيد بن كعب العَوْذي :
قال عنه الذهبي في الميزان (٤/٤٣٨) : راوي حديث : إن السجل كتب الوحي للنبي ﷺ، أخرجه النسائي، وأبو داود لا يُدْرَى مَنْ ذا أصلا. رواه عن عمرو بن مالك النُّكري. انفرد عنه نوح بن قيس الحُدَّاني.
وقال عنه الحافظ في التقريب : مجهول.
وذكره ابن حبان في الثقات.
- عمرو بن مالك النُّكري :
قال بشار عواد في تحقيقه لكتاب تهذيب الكمال (٢٢/٢١٢) عند قول الحافظ المزي : ذكره ابن حبان في الثقات. وبقية كلام ابن حبان : ويعتبر حديث من غير رواية ابنه عنه... وقال ابن حجر في التهذيب : وقال ابن حبان : يخطىء ويغرب، ولم نجد هذا القول في المطبوع من ابن حبان فلعله سقط. ا. هـ.
وقال الحافظ ابن حجر في التقريب : صدوق له أوهام.
- أبو الجوزاء أوس بن عبد الله الرَّبَعي :
قال أبو زرعة، وأبو حاتم : ثقة. وقال الحافظ في التقريب : يرسل كثيرا، ثقة.
فإسناد الحديث ضعيف وذلك لجهالة يزيد بن كعب العَوْذي.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية (٥/٣٠١ – ٣٠٢) :
ومنهم السجل – أي كتاب النبي ﷺ – كما ورد به الحديث المروي في ذلك عن ابن عباس – إن صح – وفيه نظر... وقد عرضت هذا الحديث على شيخنا الحافظ الكبير أبي الحجاج المزي فأنكره جدا، وأخبرته أن شيخنا العلامة أبا العباس ابن تيمية كان يقول : هو حديث موضوع، وإن كان في سنن أبي داود. فقال شيخنا المزي : وأنا أقوله. ا. هـ.
وقال الألباني في ضعيف سنن أبي داود (٦٣٠) : ضعيف.
هذا وقد نُسب إلى ابن عباس رضي الله عنه جزء كبير في التفسير وطبع في مصر مرارا باسم " تنوير المقباس من تفسير ابن عباس " جمعه أبو طاهر محمد بن يعقوب الفيروزابادي الشافعي صاحب القاموس المحيط وقد اطلعت على هذا التفسير فوجدت جامعه يسوق عند الكلام عن البسملة الرواية إلى ابن عباس بهذا السند " أخبرنا عبد الله الثقة بن المأمون الهروي قال : أخبرنا علي بن إسحاق السمرقندي عن محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس وعند تفسير سورة البقرة يسوق الكلام بإسناده إلى عبد الله بن المبارك قال : حدثنا علي بن إسحاق السمرقندي عن محمد بن مروان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس.
وفي مبدأ كل سورة يقول : وبإسناده عن ابن عباس.... وهكذا يظهر لنا جليا أن جميع ما روي عن ابن عباس في هذا الكتاب يدور على محمد بن مروان السدي الصغير عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس... وحسبنا في التعقب على هذا ما روي من طريق ابن عبد الحكم قال : سمعت الشافعي يقول : لم يثبت عن ابن عباس في التفسير إلا شبيه بمئة حديث.
وهذا الخبر - إن صح عن الشافعي - يدلنا على مقدار ما كان عليه الوضاعون من الجرأة على اختلاق هذه الكثرة من التفسير المنسوبة إلى ابن عباس وليس أدل على ذلك من أنك تلمس التناقض ظاهرا بين أقوال في التفسير نسبت إلى ابن عباس ورويت عنه... أن هذا التفسير المنسوب إلى ابن عباس لم يفقد شيئا من قيمته العلمية في الغالب وإنما الشيء الذي لا قيمة له فيه هو نسبته إلى ابن عباس. ا. هـ.
وسلسلة السند التي ذكرها الدكتور الذهبي وهي محمد بن مروان السدي الصغير عن محمد بن السائب الكلبي عن أبي صالح تعرف بـ " سلسلة الكذب " كما أن هناك سلسلة يقال " سلسلة الذهب " وهي الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر.


الصفحة التالية
Icon