كما لا أنسى بالشكر والتقدير فضيلة شيخي الأستاذ الدكتور: محمد محمد زناتي عبدالرحمن المشرف على هذه الرسالة، والذي بذل جهده ووقته في توجيهي وإرشادي طيلة اشتغالي بالرسالة مع ما كان يتحلى به من الخلق الفاضل، والكلام الطيب، فجزاه الله عني خير الجزاء.
وشكري وتقديري لزوجتي أم بلال، لصبرها وتحملها وبذلها ما تستطيع من عون ومساعدة خلال فترة انشغالي بالرسالة.
والشكر موصول لكل من أعانني على هذا البحث برأي سديد، وقول رشيد، أو إعارة كتاب، أو دعاء بظهر الغيب، أو نحو ذلك، وأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك في ميزان حسناته يوم الدين، يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، " ونرجو من الله القريب المجيب، إذ وفقنا لخدمة هذا الكتاب المبارك -القرآن الكريم- أن يجعلنا مباركين أينما كنا، وأن يبارك لنا وعلينا، وأن يشملنا ببركاته العظيمة في الدنيا والآخرة، وأن يعم جميع إخواننا المسلمين، الذين يأتمرون بأوامره، بالبركات والخيرات، في الدنيا والآخرة، إنه قريب مجيب "(١)، والله تعالى أعلم، فما كان في هذا البحث من إجادة وإتقان وإحسان فمن فضل الله تعالى وكرمه وتوفيقه، وما كان من نقص وخلل وخطأ فمن نفسي والشيطان وأسأل الله تعالى العفو والغفران، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

(١) هذا الدعاء ذكره الشيخ الشنقيطي عند تفسير قوله تعالى ﴿ كِتَابٌ çm"sYّ٩u"Rr& إِلَيْكَ ش٨uچ"t٦مB لِيَدَّبَّرُوا آَيَاتِهِ uچھ.x‹tFuٹد٩ur أُولُو الْأَلْبَابِ (٢٩) ﴾ [سورة ص: ٢٩]. أضواء البيان (٧/٣١).

وابن القيم(١)، والشنقيطي(٢)، وابن عاشور(٣)، وهذا الاستشكال مبني على المراد بلفظ النكاح؛ فمنهم من رجّح أن المراد بلفظ النكاح في الآية الوطء ولهم أدلة عليه، ومنهم من رجّح أن المراد به عقد النكاح ولهم أدلة أيضاً، وسأستعرض أدلة أصحاب كل قول أو الردود على ما لم يرجّحوه، محاولاً التوفيق في ضوء ما جاء عن المفسرين، والله المستعان وعليه التكلان.
لقد استدل القائلون بأن النكاح في الآية يراد به الوطء بأدلة منها:
(١) بدائع التفسير لابن القيم (٣/٢٤٣).
... وهو: الإمام محمد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي، الفقيه الحنبلي الأصولي المفسر النحوي، أبوعبدالله بن قيم الجوزية، لازم الشيخ الإمام تقي الدين ابن تيمية. توفي سنة (٧٥١هـ). طبقات المفسرين (٢/٢٩٠).
(٢) أضواء البيان للشنقيطي (٦/٨١).
(٣) التحرير والتنوير لابن عاشور (١٨/١٥٢).
... وهو: الشيخ محمد الطاهر بن محمد بن عاشور، ولد عام (١٢٩٦هـ) أحد علماء تونس المشهورين، من أشهر مؤلفاته: (التحرير والتنوير في تفسير القرآن الكريم). توفي سنة (١٣٩٣هـ). تراجم المؤلفين التونسيين (٣/٣٠٤).

١- الإمام ابن كثير: " ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ﴾ أي يفهمونه ويعملون بما فيه، كقوله تبارك وتعالى لموسى عليه الصلاة والسلام حين أتاه التوراة ﴿ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا ﴾ [سورة الأعراف: ١٤٥] "(١).
٢- القاسمي: " ((فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) أي إيثار للأفضل واهتماماً بالأكمل... ويدخل تحته إيثار الأفضل من كل نوعين اعترضا؛ كالواجب مع الندب، والعفو مع القصاص، والإخفاء مع الإبداء في الصدقة وهكذا... "(٢).
٣- المراغي: "... ثم مدحهم بأنهم نقّاد في الدين يميزون بين الحسن والأحسن، والفاضل والأفضل؛ فقال: ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) أي: فبشر هؤلاء الذين اجتنبوا عبادة الطاغوت، وأنابوا إلى ربهم وسمعوا القول فاتبعوا أولاه بالقبول؛ بالنعيم المقيم في جنات النعيم "(٣).
المخالفون:
... وهم كل من رجح قولاً واحداً من الأقوال المذكورة في مجمل الأقوال ويمكن تصنيفهم -حسب الأقوال- إلى فئات:
أ- الذين قالوا إن القول المستمع يراد به جنس القول، واتباعهم لأحسنه يعني: أهداه إلى الحق وأرشده إلى توحيد الله - عز وجل - وطاعته... ، فمنهم:
١- الإمام الطبري: " فبشر عبادي الذين يستمعون القول يقول جل ثناؤه لنبيّه محمد - ﷺ - فبشر يا محمد عبادي الذين يستمعون القول من القائلين فيتبعون أرشده وأهداه إلى الحق وأدَلَّه على توحيد الله - عز وجل - والعمل بطاعته، و يتركون ما سوى ذلك من القول الذي لا يدل على رشاد ولا يهدي إلى سداد "(٤).
(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٤/٤٨).
(٢) محاسن التأويل للقاسمي (١٤/٥١٣٤).
(٣) تفسير المراغي (٢٣/١٥٦).
(٤) جامع البيان للطبري (٢٣/١٣٢).

قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦) }... ١٣٦
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٠٤) ﴾... ١٠٤... ، ٢٢٧
﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِن اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٤٣) ﴾... ١٤٣... ، ٥٨٣، ٥٨٨
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (١٦٢) ﴾... ١٦٢
﴿ وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١) ﴾... ١٧١
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١٧٨) ﴾... ١٧٨


الصفحة التالية
Icon