١- ورود آية في القرآن الكريم تؤيد أن المراد بالنكاح الوطء لا مجرد العقد، و هي قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ... ﴾ [سورة البقر: ٢٣٠]. وقد بين النبي - ﷺ - المراد بالنكاح في الآية الوطء بقوله: "... لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك "(١)، فآية سورة البقرة هذه دلت صراحة على أن النكاح هو الوطء. وهذا الوجه عند المفسرين وغيرهم من العلماء هو أحسن طرق التفسير؛ تفسير القرآن بالقرآن(٢).
٢- إن لفظ النكاح في اللغة أول ما يراد به الوطء، قال في القاموس المحيط: النكاح: الوطء، والعقدُ له(٣)، والاستدلال بالمعروف في اللغة قاعدة رجّح بها المفسرون(٤).
٣- إن سياق الآية يدل على إرادة الوطء بلفظ النكاح، فإنه في الآية السابقة وهي قوله تعالى ﴿ الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ... ﴾ [سورة النور: ٢] ذكر العقوبة الواقعة عليها، وذكر في هذه الآية وقوعهما في فعل الزنا، وأنه حرام على المؤمنين، قال ابن عطية: "... واتصال هذا المعنى بما قبل حسن بليغ "(٥).
٤- أن النكاح في الآية يراد به الوطء مروي عن عبدالله بن عباس -رضي الله عنهما- وهو مَنْ هو في التفسير حبر الأمة وترجمان القرآن(٦).
٥- أنه إن أريد بالنكاح في الآية العقد؛ فهناك قرينتان في الآية تردّه:

(١) أخرجه الإمام البخاري في صحيحه، فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر (٩/٤٦٤)، كتاب الطلاق، باب: إذا طلقها ثلاث ثم تزوجت بعد العِدّة زوجاً غيره فلم يمسّها.
(٢) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(١٢٧)، قواعد التفسير لخالد السبت (١/١٠٩).
(٣) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(٣١٤)، باب الحاء، فصل النون.
(٤) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (٢/٣٦٩).
(٥) المحرر الوجيز لابن عطية (١٠/٤٢٤).
(٦) الدر المنثور للسيوطي (٥/١٩).

٢- ابن عطية: " وقوله تعالى ((الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه)) كلام عام في جميع الأقوال، وإنما القصد الثناء على هؤلاء ببصائر هي لهم وقوام في نظرهم، حتى أنهم إذا سمعوا قولاً ميّزوه واتبعوا أحسنه. واختلف المفسرون في العبارة عن هذا؛ فقالت: فرقة: أحسن القول كتاب الله تعالى، أي إذا سمعوا الأقاويل وسمعوا القرآن اتبعوا القرآن. وقالت فرقة: ((القول)) هو القرآن، وأَحْسَنُه ما فيه من عفو وصفح واحتمال على صبر ونحو ذلك وقال قتادة: أحسن القول طاعة الله تعالى. وهذه أمثلة وما قلناه أولاً يعمّها "(١).
٣- المحلي: " ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) وهو ما فيه صلاحهم "(٢).
٤- الثعالبي: " وقوله سبحانه ((الذي يستمعون القول فيتبعون أحسنه)) كلام عام في جميع الأقوال والمقصد الثناء على هؤلاء في نفوذ بصائرهم وقوام نظرهم حتى إنهم إذا سمعوا قولاً ميزوه واتبعوا أحسنه "(٣).
٥- البقاعي: " ((فبشر عباد)) أي الذين أهلوا أنفسهم بقصر هممهم عليّ للإضافة إليّ ((الذين يستمعون)) أي بجميع قلوبهم ((القول)) أي هذا الجنس من كل قائل، ليسوا جفاة عساة إذا أقبلوا على شيء أعرضوا عن غيره بغير دليل ((فيتبعون)) أي بكل عزائمهم بعد انتقاده ((أحسنه)) بما دلتهم عليه عقولهم من غير عدول إلى أدنى هوى "(٤).
(١) المحرر الوجيز لابن عطية (١٢/٥٢٠).
(٢) تفسير الجلالين ص(٣٨٧).
(٣) جواهر الحسان للثعالبي (٤/٥٢).
(٤) نظم الدرر للبقاعي (١٦/٤٨٠).

وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (١٩١) }... ١٩١
﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلَا عُدْوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ (١٩٣) ﴾... ١٩٣... ، ٧٤٤
﴿ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (١٩٦) ﴾... ١٩٦... ٥١
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (٢٠١) ﴾... ٢٠١
﴿ وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ (٢٠٦) ﴾... ٢٠٦... ، ٥٤٢


الصفحة التالية
Icon