أ - مجيء لفظ المشرك والمشركة، وقد دلت آيات من القرآن الكريم أنه لا يجوز للزاني المسلم أن يتزوج مشركة، وكذلك لا يجوز للزانية المسلمة أن يتزوجها مشرك، كقوله تعالى: ﴿ وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ... ﴾ [سورة البقرة: ٢٢١]. وقوله تعالى: ﴿ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ﴾ إلى قوله: ﴿ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ ﴾ [سورة الممتحنة: ١٠].
ب- قوله تعالى: ((وحرم ذلك على المؤمنين)) فهذا يدل على عدم صحة زواج الزاني أو الزانية، وليس هذا في الواقع، فإن العفيف يجوز له أن يتزوج الزانية المسلمة إذا تابت واستبرئ رحمها، وكذلك العفيفة يجوز أن يتزوجها الزاني المسلم إذا تاب(١). وعليه تكون هاتان القرينتان مانعتان من إرادة العقد، ويحمل التحريم في الآية على تحريم الزنا، ويراد بالنكاح الوطء.
أما القائلون بأن النكاح في الآية يراد به العقد فمن أدلتهم:

(١) أحكام القرآن لابن العربي، القسم الثالث ص (١٣٣١)، المغني لابن قدامة (٩/٥٦١).

٦- السعدي: " ((فبشر عباد، الذين يستمعون القول)) وهذا جنس يشمل كل قول، فهم يستمعون جنس القول ليميزوا بين ما ينبغي إيثاره مما ينبغي اجتنابه، فلهذا من حزمهم وعقلهم أنهم يتبعون أحسنه، وأحسنه على الإطلاق كلام الله - عز وجل - وكلام رسوله - ﷺ -، كما قال في هذه السورة ﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا ﴾ [سورة الزمر: ٢٣] "(١).
٧- سيد قطب: ".. هؤلاء من صفاتهم أنهم يستمعون ما يستمعون من القول، فتلتقط قلوبهم أحسنه وتطرد ما عداه، فلا يلحق بها ولا يلصق إلا الكلم الطيب، الذي تزكو به النفوس والقلوب.. والنفس الطيبة تتفتح للقول الطيب فتتلقاه وتستجيب له... والنفس الخبيثة لا تتفتح إلا للخبيث من القول ولا تستجيب إلاّ له "(٢).
ب- من قال إن المراد بالآية: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن، منهم:
١- الواحدي: " ((الذين يستمعون القول)) القرآن وغيره ((فيتبعون أحسنه)) وهو القرآن "(٣).
٢- ابن عاشور: " والتعريف في ((القول)) تعريف الجنس، أي يستمعون الأقوال مما يدعو إلى الهدى مثل القرآن وإرشاد الرسول - ﷺ -، ويستمعون الأقوال التي يريد أهلها صرفهم عن الإيمان من ترهات أئمة الكفر، فإذا استمعوا ذلك اتبعوا أحسنه وهو ما يدعو إلى الحق "(٤).
جـ- من رجح إن المراد بالآية: هو الذي يستمع حديثاً فيه حسن وقبيح، فيتحدث بالحسن ويكف عن القبيح، منهم:
(١) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(٧٢٢).
(٢) في ظلال القرآن لسيد قطب (٥/٣٠٤٥).
(٣) الوجيز للواحدي (٢/٩٣٩).
(٤) التحرير والتنوير لابن عاشور (٢٣/٣٦٥).

وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٢١) }... ٢٢١... ١٣٨، ١٤٩
﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ ِNخgح !$|، خpS تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٢٦) ﴾... ٢٢٦... ١٥٩
﴿ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٢٣٠) ﴾... ٢٣٠... ١٤٨، ٦٣٨
﴿ وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤) ﴾... ٢٣٤... ٥٣٧
﴿ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥) ﴾... ٢٣٥


الصفحة التالية
Icon