... وتقرر لدى علماء الأصول أن صورة سبب النزول قطعية الدخول (١)، فيترجح بناءً عليه أن يراد بالنكاح في الآية العقد.
٣- إن إرادة العقد بلفظ النكاح من باب إطلاق المسبب وإرادة سببه، وهو أسلوب معروف في القرآن الكريم وفي اللغة العربية(٢).
٤- واستدل القائلون بأنه العقد، أنه إن حَمل لفظ النكاح في الآية على الوطء فكأنه قال: الزاني لا يزني إلا بزانية أو مشركة، وهذا كلام لا فائدة فيه، ولابد أن يصان كلام الله - عز وجل - عن حمله على مثل ذلك(٣)....
ويُردّ على هذا بأن " ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو هو في المعرفة باللغة العربية وبمعاني القرآن صح عنه حمل الزنى في الآية على الوطء، ولو كان ذلك ينبغي أن يصان عن مثله كتاب الله لصانه عنه ابن عباس ولم يقل به ولم يخفَ عليه أنه ينبغي أن يصان عن مثله "(٤).
وبعد: فأنت ترى -عزيزي القارئ- قوة استدلال كل فريق على قوله، ومدى استشكال بيان معنى الآية بناء على المراد بلفظ النكاح، وإن لكل وجه أدلته المؤيدة له، وقد سبق أن ذكرت عدداً من الأئمة صرّحوا باستشكال وصعوبة بيان معنى هذه الآية، فإذا أشكل تحديد المعنى على العلماء الراسخين، فهو على أمثالنا أصعب -أسأل الله جل وعلا العون والتوفيق والسداد والقبول-.

(١) البحر المحيط للزركشي (٣/٢١٦)، شرح مختصر الروضة للطوفي (٢/٥٠٥)، مذكرة أصول الفقه للشنقيطي ص(٢٥٢).
(٢) أضواء البيان للشنقيطي (٦/٧٦)، وهي إحدى علاقات المجاز المرسل؛ تسمية الشيء باسم مسبب عنه. انظر: عقود الجمان في المعاني والبيان للسيوطي (٢/٤٤).
(٣) بدائع التفسير لابن القيم (٣/٢٤٣).
(٤) أضواء البيان للشنقيطي (٦/٨٠).

... وبنحو ذلك جاءت عبارات: الإمام الماوردي(١)، والبغوي(٢)، والزمخشري(٣)، وابن الجوزي(٤)، ونظام الدين النيسابوري(٥)، والشوكاني(٦)، والألوسي(٧)، والقنوجي(٨).
تعقيب الباحث:
... لقد كفاني مؤنة التعقيب على هذا الموضع الإمام ابن القيم -رحمه الله- في كلامه حول هذه الآية، فإنه يرجح أن المراد بالقول القرآن الكريم. ولقد تكلم تحت هذه الآية ردَّا على من قال من أصحاب الغناء إن الألف واللام في (القول) تقتضي العموم والاستغراق وقد مُدح في الآية المتبعون لأحسن القول، فيدخل تحت لفظ القول قول السماع من الغناء وغيره.
فشمّر الإمام ابن القيم -رحمه الله- عن ساعد الجد وذبّ كلام أصحاب الغناء، وردّ عليهم بوجوه تدحض كلامهم، وتبريء ساحة القرآن الكريم من خبيث افترائهم وقبيح فهمهم، فقال:
" الوجه الأول: أن الله - سبحانه وتعالى - لا يأمر بل لا يأذن في استماع كل قول حتى يقال اللام للاستغراق والعموم بل من القول ما يحرم استماعه ومنه ما يكره، قال تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) ﴾ [سورة الأنعام: ٦٨].
(١) النكت والعيون للماوردي (٥/١٢٠).
(٢) مختصر البغوي (٢/٨٠٩).
(٣) الكشاف للزمخشري (٤/١١٦).
(٤) زاد المسير لابن الجوزي (٧/١٠).
(٥) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (٢٣/١٢٢).
(٦) فتح القدير للشوكاني (٤/٤٤٠).
(٧) روح المعاني للألوسي (٢٣/٢٥٢).
(٨) فتح البيان للقنوجي (١٢/٩٧).

وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٥٧) }... ٥٧
﴿ خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (٨٨) ﴾... ٨٨
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا (#qà)¨؟$# اللَّهَ ¨،xm تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ tbqكJد=َ،-B (١٠٢) ﴾... ١٠٢
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (١١٨) ﴾... ١١٨
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (١٥٦) ﴾... ١٥٦
﴿ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (١٦٤) ﴾... ١٦٤... ٥٨٢
﴿ الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٦٨) ﴾... ١٦٨
﴿ كُلُّ نَفْسٍ èps)ح !#sŒ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (١٨٥) ﴾... ١٨٥... ، ٦٦٦


الصفحة التالية
Icon