... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: وقوله: ((ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة)) أي لا يحلف، فقوله (يأتل) وزنه يفتعل من الألية وهي اليمين، تقول العرب: آلى يؤلى، وائتلى يأتلي إذا حلف، ومنه قوله تعالى: ﴿ لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ ِNخgح !$|، خpS ﴾ [سورة البقرة: ٢٢٦] أي يحلفون مضارع آلى يؤلي إذا حلف. والمعنى: لا يحلف أصحاب الفضل والسعة؛ أي: الغني كأبي بكر - رضي الله عنه - أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله كمسطح بن أثاثة(١).
وقال بعض أهل العلم: " قوله ((ولا يأتل)) أي: لا يقصر أصحاب الفضل والسعة كأبي بكر في إيتاء أولي القربى كمسطح، وعلى هذه فقوله (يأتل) يفتعل من (ألا) (يألوا) في الأمر إذا قصَّر منه وأبطأ، ومنه قوله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا ﴾ [سورة آل عمران: ١١٨] أي: لا يقصرون في مضرتكم. والأول أصح؛ لأن حلف أبي بكر أن لا ينفع مسطحاً بنافعة؛ ونزول الآية(٢) الكريمة في ذلك الحلف معروف "(٣).
الموافقون:
لقد ذهب إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي من أن معنى (يأتل) يحلف؛ جمع غفير من أئمة التفسير؛ منهم:
١- الطبري: " ((ولا يأتل أولوا الفضل منكم... )) يقول تعالى ذكره ولا يحلف بالله ذوو الفضل منكم؛ يعني ذوي التفضل والسعة يقول وذوو الجدة "(٤).
٢- البغوي:" ((ولا ياتل)) يعني ولا يحلف، وهو يفعل من الألية وهي القسم "(٥).

(١) مسطح بن أثاثة بن عباد، كان اسمه عوفا وأما مسطح فهو لقبه، أمه بنت خالة أبي بكر. وفي سنة (٣٤هـ). الإصابة (٣/٤٠٨).
(٢) انظر سبب نزول الآية في: أسباب النزول للسيوطي، المطبوع بذيل مفردات القرآن للحمصي، ص(٣٥٨).
(٣) أضواء البيان للشنقيطي (٦/١٥٩-١٦١) بتصرف.
(٤) جامع البيان للطبري (١٨/٨١).
(٥) مختصر البغوي (٢/٦٣٨).

فهذا كله إذا تدبره المؤمن الناصح لنفسه؛ علم علماً يقينياً أن الكتاب والقول والحديث الذي أمر الله - عز وجل - باستماعه وتدبره وفهمه واتباع أحسنه هو كلامه المجيد الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وأما مدح الاستماع لكل قول فهذا لا يليق نسبته إلى العقلاء فضلاً عن رب الأرض والسماء يوضحه:
الوجه السابع: وهو أن الله سبحانه في كتابه إنما أثنى على المستمعين للقرآن وحمد هذا السماع وذم المعرضين عنه، وجعلهم أهل الكفر والجهل، الصم البكم الذي لا يعقلون قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآَنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٢٠٤) ﴾ [سورة الأعراف: ٢٠٤]. وقال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٢) ﴾ [سورة الأنفال: ٢].
سورة المائدة
﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣) ﴾... ٣
﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٣٧) ﴾... ٣٧
﴿ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (٣٨) ﴾... ٣٨
﴿ * يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آَمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آَخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (٤١) ﴾... ٤١


الصفحة التالية
Icon