٨- سيد قطب: " نزلت هذه الآية تذكّر أبا بكر، وتذكر المؤمنين، بأنهم هم يخطئون ثم يحبون من الله أن يغفر لهم. فليأخذوا أنفسهم -بعضهم من بعض- بهذا الذي يحبونه، ولا يحلفوا أن يمنعوا البر عن مستحقيه، إن كانوا قد أخطأوا وأساءوا... "(١).
٩- ابن عاشور: " ((ولا يأتل)) والإيتلاء افتعال من الألية وهي الحلف، وأكثر استعمال الإلية في الحلف على امتناع، يقال: آلى وائتلى. [ثم أشار إلى سبب النزول] "(٢).
... وممن قال بمثل هذا المعنى أيضاً الإمام الخازن(٣) وابن الجوزي(٤) والشوكاني(٥) وغيرهم(٦).
ولم أجد أحداً رجّح القول المخالف بياناً لمعنى الآية، إنما من لم يرجح أن المراد الحلف؛ جعل الآية محتملة لكلا المعنيين؛ ومن هؤلاء: الزمخشري(٧) وأبوحيان(٨)، والقرطبي(٩)،

(١) في ظلال القرآن لسيد قطب (٤/٢٥٠٤).
(٢) التحرير والتنوير لابن عاشور (١٨/١٨٩).
(٣) لباب التأويل للخازن (٥/٥٢).
... وهو: علاء الدين، علي بن محمد بن إبراهيم بن عمر البغدادي، خازن الكتب بالمدرسة السّمَيْساطية واشتهر بالخازن بسبب ذلك، وجمع تفسيراً كبيراً سماه (التأويل لمعالم التنزيل)، كان حسن السمت والبشر والتودد. توفي سنة (٧٤١هـ). طبقات المفسرين (١/٤٢٢).
(٤) زاد المسير لابن الجوزي (٥/٣٥٠).
(٥) فتح القدير للشوكاني (٤/١٨).
(٦) منهم: جلال الدين المحلي في الجلالين ص(٢٩٣)، والسعدي في تيسير الكريم الرحمن ص(٥٦٤)، وطنطاوي جوهري في الجواهر (١٢/٧).
(٧) الكشاف للزمخشري (٣/٢١٦).
وهو: جار الله محمود بن عمر بن محمد الزمخشري، العلاّمة اللغوي المعتزلي المفسر، كان متفنناً في كل علم، صنّف تصانيف كثيرة، منها: (الكشاف) في التفسير وغيرها. توفي سنة (٥٣٨هـ). طبقات المفسرين (٢/٣١٤).
(٨) البحر المحيط لأبي حيان (٨/٢٥).
(٩) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٢/٢٠٨).
... وهو: الإمام محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرْح القرطبي، إمام متقن متبحر في العلم، له تصانيف مفيدة من أهمها: (جامع أحكام القرآن) وهو من أجّل التفاسير وأعظمها نفعاً. توفي سنة (٦٧١هـ). طبقات المفسرين (٢/٦٦).

والأقوال التي ذمها الله في كتابه أكثر من أن تعد، كالقول الخبيث، والقول الباطل، والقول عليه بما لا يعلم القائل، والكذب والافتراء والغيبة والتنابز بالألقاب والتناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول وتبيت ما لا يرضى من القول وقول العبد بلسانه ما ليس في قلبه، وقوله ما لا يفعله، وقول اللغو وقول ما لم ينزل به سلطاناً، والقول المتضمن للشفاعة السيئة والقول المتضمن للمعاونة على الإثم والعدوان وأمثال ذلك من الأقوال المسخوطة والمبغوضة للرب تعالى التي كلها قبيحة لا حسن فيها ولا أحسن فادعاء العموم في الآية في غير القول الذي أنزله الله - عز وجل - على رسوله - ﷺ - من الكتاب والسنة من أبطل الباطل.
الوجه التاسع: أنه سبحانه علق الهداية على اتباع أحسن هذا القول فقال: ﴿ فَبَشِّرْ عِبَادِ (١٧) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ ومن المعلوم بالاضطرار أن الهداية إنما حصلت لمن اتبع القرآن، فهو الذي هداه الله فأين الهدى في أقوال المغنين والمغنيات؟ "(١) انتهى كلام ابن القيم.
وإضافة لما ذكره الإمام ابن القيم؛ أقول:
١- إن كلام الوعظ والإرشاد الذي يهدي إلى الحق والصواب لابد أن يكون مستمداً من وحي القرآن والسنة الذي هو أحسن القول، وإن لم يكن كله قرآن وسنة فقط.
٢- مع تأكيده على أن أقوال الغناء وغيرها من الأقوال السيئة لا يمكن أن تدخل في العموم المستفاد من الألف واللام في (القول)، إلا أنه لا يمنع أن يدخل تحت عموم القول كلام الوعظ والإرشاد والدعوة إلى الدين الحق وما إلى ذلك.
(١) بدائع التفسير الجامع لتفسير ابن القيم (٤/٥٢-٥٨).

وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (١١٦) }... ١١٦... ، ٢٩٧
سورة الأنعام
﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) ﴾... ٢٣
﴿ وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى رَبِّهِمْ قَالَ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (٣٠) ﴾... ٣٠
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (٣٨) ﴾... ٣٨... ، ٥١٦
﴿ قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧) ﴾... ٤٧... ، ٧٩٣
﴿ قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠) ﴾... ٥٠... ، ٦٨٥
﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آَيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٦٨) ﴾... ٦٨
﴿ أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (٨٩) ﴾... ٨٩


الصفحة التالية
Icon