فيلاحظ اختيار الشيخ الشنقيطي لكون المراد بـ ((أروني)) الرؤية البصرية.
الموافقون:
وهم من يرجح أن المراد بالرؤية، رؤية بصرية، يعني: أن يُحضر المشركون الأصنام والأوثان ليروها جميعاً بأعينهم وتقام عليهم الحجة حاضرة بأنها جماد، لا تنفع ولا تضر، وبالتالي لا تستحق العبادة، فمِنْ مَنْ قال بذلك:
١- الإمام الطبري: " ((قل أروني الذين ألحقتم به شركاء كلا بل هو الله العزيز الحكيم)) يقول تعالى ذكره لنبيّه - ﷺ -، قل يا محمد لهؤلاء المشركين بالله الآلهة والأصنام أروني أيها القوم الذين ألحقتموهم بالله فصيرتموهم له شركاء في عبادتكم إياها "(١).
٢- النسفي: " ومعنى قوله ((أروني)) وكان يراهم؛ أن يريهم الخطأ العظيم في إلحاق الشركاء بالله وأن يطلعهم على حالة الإشراك به "(٢).
٣- ابن كثير: " ((قل أروني الذين ألحقتم به شركاء)) أي: أروني هذه الآلهة التي جعلتموها لله أنداداً وصيرتموها له عدلا ((كلا)) أي ليس له نظير ولا نديد ولا شريك ولا عديل ((بل هو الله)) أي الواحد الأحد الذي لا شريك له "(٣).
٤- ابن عاشور: " والأمر في قوله ((أروني)) مستعمل في التعجيز، وهو تعجيز للمشركين عن إبداء حجة لإشراكهم... والإراءة هنا من الرؤية البصرية فيتعدى إلى مفعولين: أحدهما بالأصالة والثاني بهمزة التعدية. والمقصود: أروني شخوصهم لنبصر هل عليها ما يناسب صفة الإلهية، أي أن كل من يشاهد الأصنام بادئ مرة يتبيّن له أنها خليّة عن صفات الإلهية إذ يرى حجارة لا تسمع ولا تبصر ولا تفقه؛ لأن انتفاء الإلهية عن الأصنام بديهي ولا يحتاج إلى أكثر من رؤية حالها "(٤).
(٢) مدارك التنزيل للنسفي (٣/٢٤٦).
(٣) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٣/٥٣٨).
(٤) التحرير والتنوير لابن عاشور (٢٢/١٩٦).
٧- من رجح أن ((البيان)) يراد به القرآن الكريم، فقوله مرجوح لأنه يصبح نوعاً من التكرار في الآيات، فقد قال تعالى: ﴿ الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤) ﴾ [سورة الرحمن: ١-٤] فكون أن يراد بلفظ ((البيان)) القرآن الكريم فهذا تكرار، والأَوْلى أن يحمل لفظ ((البيان)) على أن يراد به الإفصاح عما في الضمير؛ لأنه يفيد معنىً جديداً، وقاعدة: " إذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى "(١)؛ تؤيد ما قلته. والله أعلم بالصواب.
- - -
المراد بالنجم في قوله تعالى ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ ﴾
٩٤- قوله تعالى: ﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦) ﴾ [سورة الرحمن: ٦].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف في المراد بالنجم على قولين:
١- أن النجم يراد به نجم السماء، وهو موحد والمراد به جميع النجوم.
٢- أن النجم النبات الذي قد نجم في الأرض وانبسط فيها، ليس له ساق. والشجر ما كان على ساق(٢).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " اختلف العلماء في المراد بالنجم في هذه الآية، فقال بعض العلماء: النجم هو ما لا ساق له من النبات كالبقول، والشجر هو ما له ساق. وقال بعض أهل العلم: المراد بالنجم نجوم السماء.
(٢) القولان ذكرهما الماوردي في النكت والعيون (٥/٤٢٤).