٣- الشهاب في حاشيته على البيضاوي ردّ على تضعيف ابن عطية للرؤية البصرية، بأن الرؤية ليست لمجرد الرؤية، إنما من أجل توبيخ المشركين على فعلهم، واعتبر أن الصحيح حمل الرؤية على كلا المعنيين، البصرية والعِلْمية، وقال بأن " من قصره على أحدهما فقد قصّر "(١). والله أعلم بالصواب.
فائدة:
... هذه فائدة لطيفة أنقلها عن الفخر الرازي، لم أجد من المفسرين ذكر ما ذكره، فإنه عند تفسيره للآية المقصودة بيَّن أن البشر في عبادتهم الله - عز وجل - ثلاثة أقسام؛ فقال: "... قد ذكرنا أن المعبود قد يعبده قوم لدفع الضرر، وجَمْع لتوقع المنفعة، وقليل من الأشراف يعبدونه لأنه يستحق العبادة لذاته.
١- فلما بيَّن أنه لا يُعبد غير الله - عز وجل - لدفع الضرر إذ لا دافع للضرر غيره بقوله: ﴿ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ ﴾ [سورة سبأ: ٢٢].
٢- وبيّن أنه لا يُعبد غير الله لتوقع المنفعة بقوله ﴿ * قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ﴾ [سورة سبأ: ٢٤].
٣- بيّن ههنا أنه لا يُعبد أحدٌ لاستحقاقه العبادة غير الله - عز وجل - فقال: ﴿ قُلْ أَرُونِيَ الَّذِينَ أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَاءَ كَلَّا بَلْ هُوَ اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٢٧) ﴾ [سورة سبأ: ٢٤] أي هو المعبود لذاته واتصافه بالعزة وهي القدرة الكاملة والحكمة وهي العلم التام الذي عمله موافق له "(٢) اهـ.
- - -
المراد بقوله تعالى ﴿ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ ﴾
٤٧- قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢) ﴾ [سورة سبأ: ٥٢].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
١- ((أنى لهم التناوش)) أي كيف لهم تناول ما بَعدُ عنهم وهو الإيمان والتوبة، وقد كان قريباً في الدنيا فضيعوه (٣).
(٢) التفسير الكبير للفخر الرازي (٩/٢٠٦).
(٣) مختصر البغوي (٢/٧٦٥).
١- الذين رجحوا أن المراد بالنجم نجوم السماء؛ استدلوا بآية في كتاب الله تعالى وهي قوله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَن اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ﴾ [سورة الحج: ١٨]. فذكر في آية سورة الحج النجوم بعد ذكره الشمس والقمر فدل أنها نجوم السماء، ثم ذكر سجود الشجر أيضاً. وعليه فيحمل النجم في قوله تعالى هنا في سورة الرحمن ((والنجم والشجر يسجدان)) على أنه نجوم السماء، وهذا يعتبر من تفسير القرآن بالقرآن، الذي هو أفضل وأقوى أنواع التفسير(١).
٢- الذين رجحوا أن النجم يراد به ما لا ساق له من النبات، استدلوا بسياق الآيات؛ لأن من معاني النجم في اللغة: " أنه النبات الذي نجم على غير ساق "(٢)، فاستدلوا بأن " اقترانه بالشجر "(٣) لابد أن يكون المراد به النبات الذي على غير ساق لأن الشجر هو ما كان على ساق. واستدلوا أيضاً بأنه تعالى " ذكر في الآيات أموراً علوية (الشمس والقمر) وذكر في مقابلها أموراً سفلية (النجم والشجر) "(٤) فيكون النجم مذكوراً في الأمور السفلية ويراد به النبات الذي على غير ساق.
(٢) القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(١٤٩٩)، باب الميم فصل النون.
(٣) روح المعاني للألوسي (٢٧/١٠٠).
(٤) التفسير الكبير للفخر الرازي (١٠/٣٤١) بتصرف.