٤- ابن كثير: " ((وقالوا آمنا به)) أي يوم القيامة يقولون آمنا بالله وملائكته وكتبه ورسله، كما قال تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) ﴾ [سورة السجدة: ١٢]، ولهذا قال تعالى: ((وأنى لهم التناوش من مكان بعيد)) أي كيف لهم تعاطي الإيمان وقد بعدوا عن محل قبوله منهم وصاروا إلى الدار الآخرة وهي دار الجزاء لا دار الابتلاء، فلو كانوا آمنوا في الدنيا لكان ذلك نافعهم ولكن بعد مصيرهم إلى الدار الآخرة لا سبيل لهم إلى قبول الإيمان؛ كما لا سبيل إلى حصول الشيء لمن يتناوله من بعيد "(١).
٥- أبوالسعود: " ((وأنى لهم التناوش)) التناوش التناول السهل أي ومن أين لهم أن يتناولوا الإيمان تناولاً سهلاً ((من مكان بعيد)) فإنه في حيز التكليف وهم منه بمعزل بعيد، وهو تمثيل حالهم في الاستخلاص بالإيمان بعد ما فات عنهم وبَعُد بحال من يريد أن يتناول الشيء من غلوة(٢) تناوله من ذراع في الاستحالة "(٣).
٦- الشوكاني: " والمعنى كيف لهم أن يتناولوا الإيمان من بعد، يعني في الآخرة وقد تركوه في الدنيا "(٤).
٧- السعدي: " ((أنى لهم التناوش)) أي: تناول الإيمان ((من مكان بعيد)) قد حيل بينهم وبينه، وصار من الأمور المحالة في هذه الحالة، فلو أنهم آمنوا وقت الإمكان، لكان إيمانهم مقبولاً "(٥).
(٢) غلوة: يراد بها مرمي السهم، القاموس المحيط ص(١٧٠٠) باب الواو والياء - فصل الغين.
(٣) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (٤/٤٦٧).
(٤) فتح القدير للشوكاني (٤/٣٢٥).
(٥) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(٦٨٤).
أن الأولين من الأمم الماضية من لدن آدم - عليه السلام - إلى نبينا محمد - ﷺ -... أن الآخرين هم من أمة محمد - ﷺ - (١).
القول الثاني... الأولون هم أول هذه الأمة... الآخرون المتأخرون من هذه الأمة(٢).
القول الثالث... أوائل المهاجرين والأنصار... أواخر من جاء من الصحابة(٣).
القول الرابع... الأولون من أمة كل نبي حيث يكون السابقون كثر في أولها... الآخرون من أمة كل نبي حيث يقل السابقون في آخرها(٤).
القول الخامس... أن المراد بالسابقين: الأنبياء، فإنهم في أول الزمان كثير... وفي آخر الزمان قليل [إلى قبل بعثة نبينا محمد - ﷺ - فإنه آخر الأنبياء عليهم السلام](٥).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " اختلف أهل العلم في المراد بهذه الثلة من الأولين، وهذا القليل من الآخرين المذكورين هنا، كما اختلفوا في الثُلَّتين المذكورتين في قوله: ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (٤٠) ﴾ [سورة الواقعة: ٣٩-٤٠]، فقال بعض أهل العلم: كل هؤلاء المذكورين من هذه الأمة، وأن المراد بالأولين منهم الصحابة، وبعض العلماء يذكر معهم القرون المشهود لهم بالخير في قوله - ﷺ - " خير القرون قرني ثم الذين يلونهم.. "(٦) الحديث، والذين قالوا كلهم من هذه الآمة؛ قالوا: إنما المراد بالقليل، وثلة من الآخرين، هم مَنْ بعد ذلك إلى قيام الساعة.
(٢) التسهيل لابن جزي (٤/١٦١).
(٣) زاد المسير لابن الجوزي (٧/٢٧٩).
(٤) التسهيل لابن جزي (٤/١٦١).
(٥) المرجع السابق.
(٦) أخرجه البخاري في الباب الأول من كتاب فضائل أصحاب النبي - ﷺ -، بلفظ " خير أمتي قرني... " ولفظ " خير الناس قرني... ". فتح الباري (٧/٣).