٨- سيد قطب: " ((وقالوا آمنا به)).. الآن بعد فوات الأوان.. ((وأنى لهم التناوش من مكان بعيد)). وكيف يتناولون الإيمان من مكانهم هذا. ومكان الإيمان بعيد عنهم فقد كان ذلك في الدنيا، فضيّعوه. ((وقد كفروا به من قبل))... فانتهى الأمر، ولم يعد لهم أن يحاولوه اليوم "(١).
... وبنحو ذلك قال كل من الإمام ابن الجوزي(٢) وأبي حيان(٣)، والمحلي(٤)، والألوسي(٥).
... ولم أجد أحداً رجّح قولاً مخالفاً... إلا أن من المفسرين من جعل القولين مترابطين بشدة، واعتبرهما بمجموعهما بياناً لمعنى الآية؛ كالإمام الطبري... حيث قال: " وقالوا آمنا بالله في حين لا ينفعهم قيلُ ذلك، فقال الله ((وأنى لهم التناوش)) أي وأين لهم التوبة والرجعة أي قد بعدت عنهم فصاروا منها كموضع بعيد أن يتناولوها، وإنما وصف ذلك الموضع بالبعيد لأنهم قالوا ذلك في القيامة، فقال الله أنى لهم بالتوبة المقبولة، والتوبة المقبولة إنما كانت في الدنيا، وقد ذهبت الدنيا فصارت بعيداً من الآخرة "(٦).
أما النسفي(٧)، وابن جزي(٨) فقد جعلا القولين محتملان للآية على التخيير بلفظ (أو) و (قيل).
تعقيب الباحث:
يظهر من خلال ما سبق -والله أعلم- أن الراجح هو ما ذهب إليه الشيخ الشنقيطي ومن قال بنحو قوله، يدل على ذلك ما يأتي:
(٢) زاد المسير لابن الجوزي (٦/٢٤٣).
(٣) البحر المحيط لأبي حيان (٨/٥٦٦).
(٤) تفسير الجلالين ص(٣٦٣).
(٥) روح المعاني للألوسي (٢٢/١٥٨).
(٦) جامع البيان للطبري (٢٢/٧٤).
(٧) مدارك التنزيل للنسفي (٣/٢٥٣).
(٨) التسهيل لابن جزي (٣/٣٣٤).
... وقال بعض العلماء: المراد بالأولين في الموضعين الأمم الماضية قبل هذه الأمة، والمراد بالآخرين فيهما هو هذه الأمة.
قال مقيده(١) عفا الله عنه وغفر له: ظاهر القرآن في هذا المقام أن الأولين في الموضعين من الأمم الماضية، والآخرين فيهما من هذه الأمة، وأن قوله تعالى: ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (١٤) ﴾ [سورة الواقعة: ١٣-١٤] في السابقين خاصة، وأن قوله: ﴿ ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (٤٠) ﴾ [سورة الواقعة: ٣٩-٤٠] في أصحاب اليمين خاصة.
وإنما قلنا إن هذا هو ظاهر القرآن في الأمور الثلاثة التي هي شمول الآيات لجميع الأمم، وكون قليل من الآخرين في خصوص السابقين، وكون ثلة من الآخرين في خصوص أصحاب اليمين؛ لأنه واضح من سياق الآيات.
أما شمول الآيات لجميع الأمم فقد دل عليه أول السورة، لأن قوله تعالى: