١- ما تضمنته هذه الآية الكريمة من أن الكفار يؤمنون يوم القيامة عند معاينتهم العذاب وأن هذا الإيمان لا ينفعهم لفوات وقته وقد كان وقته في الدنيا؛ هذا المعنى قد دلت عليه آيات أخرى من القرآن الكريم... منها قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ﴾ [سورة الأعراف: ٥٣]، فهذه الآية دلت على أن الكفار يؤمنون يوم القيامة بأن ما جاءت به الرسل حق، ولكن هذا لا ينفعهم ((قد خسروا أنفسهم)).. ومنها قوله تعالى: ﴿ وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ (١٢) وَلَوْ شِئْنَا لَآَتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١٣) ﴾ [سورة السجدة: ١٢-١٣]، الكفار يوم القيامة يبصروا بأعينهم ويسمعوا بآذانهم فيعلنوا بأنهم ((موقنون))، ولكن لا فائدة من يقينهم هذا، فلقد ((حق القول)) وكان بإمكانهم أن يؤمنوا ويوقنوا وهم في الدنيا.. ومنها قوله تعالى: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (١١) ﴾ [سورة غافر: ١١] يعترف الكفار يوم القيامة بأنهم كانوا في الدنيا مخطئين مذنبين، ولكن لا ينفعهم هذا الاعتراف..
إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (١) } [سورة الواقعة: ١] إلى قوله: ﴿ فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا (٦) ﴾ [سورة الواقعة: ٦] لا شك أنه لا يخص أمة دون أمة، وأن الجميع مستوون في الأهوال والحساب والجزاء. فدل ذلك على أن قوله: ﴿ وَكُنْتُمْ أَزْوَاجًا ثَلَاثَةً (٧) ﴾ [سورة الواقعة: ٧] عام في جميع أهل المحشر، فظهر أن السابقين وأصحاب اليمين؛ منهم من هو من الأمم السابقة، ومنهم من هو من هذه الآمة. وعلى هذا فظاهر القرآن الكريم أن السابقين من الأمم الماضية أكثر من السابقين من هذه الأمة، وأن أصحاب اليمين من الأمم السابقة ليست أكثر من أصحاب اليمين من هذه الآمة؛ لأنه عبّر في السابقين من هذه الآمة بقوله: ﴿ وَقَلِيلٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (١٤) ﴾ [سورة الواقعة: ١٤]، وعبّر عن أصحاب اليمين من هذه الآمة ﴿ وَثُلَّةٌ مِنَ الْآَخِرِينَ (٤٠) ﴾ [سورة الواقعة: ٤٠]، ولا غرابة في هذا؛ لأن الأمم الماضية أمم كثيرة، وفيها أنبياء كثيرة ورسل، فلا مانع من أن يجتمع من سابقيها من لدن آدم - عليه السلام - إلى محمد - ﷺ - أكثر من سابقي هذه الأمة وحدها. أما أصحاب اليمين من هذه الأمة فيحتمل أن يكونوا أكثر من أصحاب اليمين من جميع الأمم؛ لأن الثلة تتناول العدد الكثير، وقد يكون أحد العددين الكثيرين أكثر من الآخر، مع أن كلاهما كثير "(١).
خلاصة: الشيخ الشنقيطي يرى أن الأولين يراد بهم من جميع الأمم الماضية من لدن آدم - عليه السلام - إلى محمد - ﷺ -، وأن الآخرين يراد بهم من أمة محمد - ﷺ -.
الموافقون:
إلى مثل ما ذهب إليه الشنقيطي ذهب عدد غير قليل من المفسرين، منهم: