فهذه الآيات وغيرها دلت على ما تضمنه قوله تعالى: ﴿ وَقَالُوا آَمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (٥٢) ﴾ [سورة سبأ: ٥٢] وهو من قبيل تفسير القرآن بالقرآن(١).
٢- سياق الآية يدل على المعنى الراجح، ففي بداية الآية قوله تعالى ((وقالوا آمنا به)) فإنهم لما عاينوا العذاب ورأوه بأعينهم وسمعوه بآذانهم؛ آمنوا وأعلنوا استسلامهم وتصديقهم، فناسب أن يكون ختام الآية رداً عليهم بأن إيمانهم هذا لا ينفعهم لأنه جاء في غير وقته، وقد كان وقته في الدنيا فضيّعوه. والاستدلال بسياق الآية قاعدة متبعة في الترجيح بين الأقوال عند المفسرين(٢).
٣- كون هذا القول قد اختاره جمهور المفسرين، وقد مرّ ما قاله عدد منهم، مع ندرة بل عدم ودود مخالف لما اختاروه. والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى قوله تعالى ﴿ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾
٤٨- قوله تعالى: ﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا ﴾ [سورة فاطر: ١٠].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
١- من كان يريد العزة فليتعزز بطاعة الله - عز وجل - (٣).
٢- من كان يريد أن يعلم لمن العزة فلله العزة جميعاً(٤).
٣- من كان يريد العزة بعبادة الآلهة والأوثان فإن العزة لله جميعاً(٥).
٤- من كان يريد العزة بمغالبة الإسلام فلله العزة جميعاً؛ فالمغالب له مغلوب(٦).

(١) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(١٢٧)، وقواعد التفسير لخالد السبت (١/١٠٩).
(٢) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (١/١٢٥).
(٣) جامع البيان للطبري (٢٢/٧٩)، وحكاه عن قتادة، مختصر البغوي (٢/٧٦٧)، فتح القدير للشوكاني (٤/٣٣٠).
(٤) جامع البيان للطبري (٢٢/٨٠)، مختصر البغوي (٢/٧٦٧)، وحكاه عن الفراء، فتح القدير للشوكاني (٤/٣٣٠).
(٥) جامع البيان للطبري (٢٢/٧٩) وحكاه عن مجاهد.
(٦) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (٣/٣٣٨) المعنى الثاني الذي ذكره ولم يرجّحه.

١- الطبري: " ((ثلة من الأولين، وقليل من الآخرين)) يقول تعالى ذكره جماعة من الأمم الماضية، وقليل من أمة محمد - ﷺ - وهم الآخرون، وقيل لهم الآخرون لأنهم آخر الأمم "(١).
٢- الواحدي: " ((ثلة من الأولين)) جماعة من الأمم الماضية، ((وقليل من الآخرين)) من هذه الأمة. يريد من سابقي الأمم وسابقي هذه الأمة "(٢).
٣- البغوي: " ((ثلة من الأولين)) أي من الأمم الماضية من لدن آدم - عليه السلام - إلى زمان نبينا - ﷺ -. والثلة: الجماعة غير محصورة العدد. ((وقليل من الآخرين)) يعني من هذه الأمة "(٣).
٤- النيسابوري: " ((ثلة)) جماعة، ((وقليل من الآخرين)) لأن الذي سبقوا إلى الإيمان بالنبي - ﷺ - قليل من كثير ممن سبق إلى الإيمان بالأنبياء قبله "(٤).
٥- البيضاوي: " ((ثلة من الأولين)) أي هم كثير من الأولين يعني الأمم السالفة من لدن آدم - عليه السلام - إلى سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، ((وقليل من الآخرين)) يعني أمة محمد عليه الصلاة والسلام "(٥).
٦- المحلي: " ((ثلة من الأولين)) أي جماعة من الأمم الماضية، ((وقليل من الآخرين)) من أمة محمد - ﷺ -، وهم السابقون من الأمم الماضية وهذه الأمة "(٦).
٧- الشوكاني: " والمراد بالأولين: هم الأمم السابقة من لدن آدم - عليه السلام - إلى نبينا - ﷺ -، ((وقليل من الآخرين)) أي من هذه الأمة "(٧).
(١) جامع البيان للطبري (٢٧/٩٩).
(٢) الوجيز للواحدي (٢/١٠٥٩).
(٣) مختصر البغوي (٢/٩١٦).
(٤) إيجاز البيان للنيسابوري (٢/٢٣٦).
(٥) أنوار التنزيل للبيضاوي (٢/٢٤٣).
(٦) تفسير الجلالين ص(٤٥٢).
(٧) فتح القدير للشوكاني (٥/١٤٨).


الصفحة التالية
Icon