ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " بيّن جل وعلا في هذه الآية الكريمة: أن من كان يريد العزة فإنها جميعها لله وحده، فليطلبها منه وليتسبب لنيلها بطاعته جل وعلا، فإن من أطاعه أعطاه العزة في الدنيا والآخرة، أما الذين يعبدون الأصنام لينالوا العزة بعبادتها، والذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين، يبتغون عندهم العزة، فإنهم في ضلال وعمى عن الحق، لأنهم يطلبون العزة من محل الذل.
وهذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية الكريمة جاء موضحاً في آيات من كتاب الله تعالى، كقوله تعالى: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آَلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا (٨١) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا (٨٢) ﴾ [سورة مريم: ٨١-٨٢]، وقوله تعالى: ﴿ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (١٣٩) ﴾ [سورة النساء: ١٣٩]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦٥) ﴾ [سورة يونس: ٦٥]، وقوله تعالى: ﴿ يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ ¾د&خ!qك™tچد٩ur... ﴾ [سورة المنافقون: ٨]، وقوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (١٨٠) ﴾ [سورة الصافات: ١٨٠].
وقول من قال من أهل العلم: أن معنى الآية: من كان يريد العزة أي يريد أن يعلم لمن العزة، أصوب منه ما ذكرنا. والعلم عند الله "(١).
الموافقون:
... اختار المعنى الموافق لما اختاره الشنقيطي عدد من أئمة التفسير؛ منهم:
٨- الألوسي: " المعنى جماعة كثيرة من الأولين وهم الناس المتقدمون من لدن آدم إلى نبينا عليهما الصلاة والسلام وعلى من بينهما من الأنبياء العظام، ((وقليل من الآخرين)) وهم الناس من لدن نبينا - ﷺ - إلى قيام الساعة "(١).
٩- القنوجي: " والمراد بالأولين هم الأمم السابقة من لدن آدم - عليه السلام - إلى نبينا - ﷺ - ومن بينهما من الأنبياء العظام، ((وقليل من الآخرين)) أي من هذه الأمة، وسموّا قليلاً بالنسبة إلى من كان قبلهم، وهم كثيرون لكثرة الأنبياء فيهم، وكثرة من أجابهم "(٢).
١٠- ابن عاشور: "... فالسابقون طائفتان: طائفة من الأمم الماضين ومجموع عددها في ماضي القرون كثير، وطائفة قليلة من الأمة الإسلامية "(٣).
المخالفون:
... قلة من المفسرين رجحوا أن الفرقتين من هذه الآمة، أعني الأولين والآخرين، منهم:
١- ابن جزي: " الثلة الجماعة من الناس، فالمعنى أن السابقين من الأولين أكثر من السابقين من الآخرين، والأولون هم أول هذه الأمة والآخرون المتأخرون من هذه الأمة "(٤).
٢- ابن كثير: " القول الراجح هو أن يكون المراد بقوله تعالى ((ثلة من الأولين)) أي من صدر هذه الأمة، ((وقليل من الآخرين)) أي من هذه الأمة "(٥).
٣- السعدي: " ((ثلة من الأولين)) أي جماعة كثيرون من المتقدمين من هذه الأمة وغيرهم، ((وقليل من الآخرين)) وهذا يدل على فضل صدر هذه الأمة في الجملة على متأخريها، لكون المقربين من الأولين أكثر من المتأخرين، والمقربون هم خواص الخلق "(٦).
تعقيب الباحث:
(٢) فتح البيان للقنوجي (١٣/٣٦٠).
(٣) التحرير والتنوير لابن عاشور (٢٧/٢٩١).
(٤) التسهيل لابن جزي (٤/١٦١).
(٥) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٤/٢٨٤).
(٦) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(٨٣٣).