... ﴿ إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾ [سورة فاطر: ١٠] ولهذا التعقيب المباشر بعد ذكر الحقيقة الضخمة فعزاه وإيحاؤه. فهو إشارة إلى أسباب العزة ووسائلها لمن يطلبها عند الله. القول الطيب والعمل الصالح. القول الطيب الذي يصعد إلى الله في علاه؛ والعمل الصالح الذي يرفعه الله إليه ويكرمه بهذا الارتفاع. ومن ثم يكرم صاحبه ويمنحه العزة والاستعلاء "(١).
... لم أجد فيما وقفت عليه من أقوال المفسرين أحداً رجّح قولاً آخر، غير أن البعض منهم يستعرض الأقوال الواردة في معنى الآية، ثم يرجح القول الذي ذهب إليه الشنقيطي ومن وافقه، وممن جمع الأقوال أو معظمها في تفسيره: الإمام الطبري والبغوي وابن جزي والشوكاني(٢).
تعقيب الباحث:
... الذي يظهر -والله أعلم- أن القول الذي اختاره الشنقيطي ومن وافقه هو الراجح باعتبار إجماع المفسرين عليه، ولم أجد أحداً اختار ورجّح قولاً آخر غيره.
وقد ذكر الإمام الطبري سبب ترجيحه للقول المختار فقال: " وإنما قلت ذلك أولى بالصواب لأن الآيات التي قبل هذه الآية جرت بتقريع الله - عز وجل - المشركين على عبادتهم الأوثان وتوبيخه إياهم ووعيده لهم عليها؛ فأولى بهذه أيضاً أن تكون من جنس الحث على فراق ذلك فكانت قصتها شبيهة بقصتها وكانت في سياقها "(٣). والترجيح بمدلول سياق الآيات قاعدة مهمة من قواعد الترجيح عند المفسرين(٤).
- - -
هل أنذر آباؤهم؟
(٢) جامع البيان للطبري (٢٢/٧٩-٨٠)، مختصر البغوي (٢/٧٦٧)، التسهيل لابن جزي (٣/٣٣٨)، فتح القدير للشوكاني (٤/٣٣٠).
(٣) جامع البيان للطبري (٢٢/٨٠).
(٤) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (١/١٢٥)، قاعدة: إدخال الكلام في معاني ما قبله وما بعده أولى من الخروج به عنهما. إلا بدليل يجب التسليم له.
- عليه السلام - إلى نبينا محمد - ﷺ -، وجماعة قليلة من أمة محمد - ﷺ -. اللهم اجعلنا منهم بكرمك وفضلك يا أرحم الراحمين.
- - -
معنى عُرُبا
٩٦- قوله تعالى: ﴿ إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً (٣٥) فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا (٣٦) عُرُبًا أَتْرَابًا (٣٧) لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ (٣٨) ﴾ [سورة الواقعة: ٣٥-٣٨].
مجمل الأقوال الواردة:
... اختلف في تحديد معنى (عُرُباً) على أقوال:
١- المتحببات إلى أزواجهن.
٢- الحسنة التبعل.
٣- الحسنة الكلام.
٤- العاشقة لزوجها؛ لأن عشقها له يزيده ميلاً إليها وشغفاً بها(١).
٥- العروب: الغنجة(٢)، بلغة أهل المدينة. الشكلة(٣)، بلغة أهل مكة(٤).
٦- أنهن المتحببات من الضرائر ليقفن على طاعته ويتساعدن على مشايعته(٥).
٧- أو أن معنى عُرُبا: أي كلامهن عربي(٦).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله ((عرباً)) جمع عروب، وهي المتحببة إلى زوجها الحسنة التبعل، وهذا هو قول الجمهور. وهو الصواب إن شاء الله.
(٢) الغنج: الشِّكْلُ، قاله في القاموس المحيط ص(٢٥٦)، وانظر: الحاشية التالية.
(٣) الشكلة: قال في القاموس المحيط: الشِّكْلُ: بالكسر والفتح: غنج المرأة ودَلُّها وغزلها، فهي شِكْلة. القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(١٣١٨) باب اللام، فصل الشين. ونقل ابن عاشور في التحرير والتنوير (٢٧/٣٠١) عن نبيه بن الحجاج قوله:
تلك عريسي غضبى تريد زيالي...... ألبين أردتِ أم لدلال
(٤) النكت والعيون للماوردي (٥/٤٥٥)، بدائع التفسير لابن القيم (٤/٣٥٥).
(٥) ذكره الماوردي في النكت والعيون (٥/٤٥٦).
(٦) حكاه السيوطي في الدر المنثور (٦/١٥٩)، من رواية ابن أبي حاتم.