٣- ابن كثير -بعد ذكر الآيات- قال: " يقول تعال إنا جعلنا هؤلاء المحتوم عليهم بالشقاء نسبتهم إلى الوصول إلى الهدى كنسبة من جعل في عنقه غل فجمع يديه مع عنقه تحت ذقنه فارتفع رأسه فصار مقمحاً [إلى أن قال:] وقوله تعالى ((فأغشيناهم)) أي أغشينا أبصارهم عن الحق ((فهم لا يبصرون)) أي لا ينتفعون بخير ولا يهتدون إليه "(١).
٤- المحلي: " ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً)) بأن تضم إليها الأيدي لأن الغل يجمع اليد إلى العنق ((فهي)) أي الأيدي مجموعة ((إلى الأذقان)) جمع ذقن وهي مجتمع اللحيين ((فهم مقمحون)) رافعون رؤوسهم لا يستطيعون خفضها، وهذا تمثيل والمراد أنهم لا يذعنون للإيمان ولا يخفضون رؤوسهم لهم "(٢).
٥- القاسمي قال عن الوجه الذي اختاره -والذي جاء موافقاً لاختيار الشنقيطي-: " وإنما اختير هذا؛ لأن ما قبله وما بعده في ذكر أحوالهم في الدنيا " ثم وصفه في آخر كلامه بأنه " أدق، وبالقبول أحق "(٣).
٦- السعدي: " ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً)) وهي جمع (غل) والغل: ما يُغل به العنق، فهو للعنق بمنزلة القيد للرجل، وهذه الأغلال التي في الأعناق؛ عظيمة قد وصلت إلى أذقانهم ورفعت رؤوسهم إلى فوق ((فهم مقمحون)) أي: رافعوا رؤوسهم من شدة الغِل الذي في أعناقهم فلا يستطيعون أن يخفضوها. ((وجعلنا بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً)) أي حاجزاً يحجزهم عن الإيمان ((فهم لا يبصرون)) قد غمرهم الجهل والشقاء من جميع جوانبهم، فلم تفد فيهم النذارة "(٤).
... وبعبارات متقاربة جاء تفسير كل من: الفخر الرازي(٥)، والبيضاوي(٦)، والثعالبي(٧)،

(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٣/٥٦٤).
(٢) تفسير الجلالين ص(٣٦٩).
(٣) محاسن التأويل للقاسمي (١٤/٤٩٩٤).
(٤) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(٦٩٣).
(٥) التفسير الكبير للفخر الرازي (٩/٢٥٤).
(٦) أنوار التنزيل للبيضاوي (٢/١٤٩).
(٧) جواهر الحسان للثعالبي (٤/٣).
... وهو: أبوزيد عبدالرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي، مفسر، من أعيان الجزائر، توفي سنة (٨٧٥هـ). الأعلام (٣/٣٣١).

... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " وقوله ((وتربصتم)) التربص: الانتظار، والأظهر أن المراد به هنا تربص المنافقين بالمؤمنين الدوائر، أي انتظارهم بهم نوائب الدهر أن تهلكهم، كقوله تعالى في منافقي الأعراب المذكورين في قوله: ﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ﴾ [سورة التوبة: ١٠١]،
﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ tچح !#ur¤$!$# عَلَيْهِمْ نotچح !#yٹ السَّوْءِ ﴾ [سورة التوبة: ٩٨] "(١).
الموافقون:
... إن المراد بالتربص هنا: هو تربص المنافقين بالنبي - ﷺ - والمؤمنين معه الدوائر، يعني ينتظر المنافقون أن يموت النبي - ﷺ -، وتنزل بالمؤمنين نوائب الدهر من المصائب الفردية والجماعية ونحوها؛ هذا ما رجحه الشيخ الشنقيطي، ومثله قد رجحه عدد من المفسرين من السلف والخلف، منهم:
١- الواحدي: " ((وتربصتم)) بمحمد - عليه السلام - الموت "(٢).
٢-٣-٤-٥-٦- النسفي(٣)، الزمخشري(٤)، البيضاوي(٥)، المحلي(٦)، والألوسي (٧): " ((وتربصتم)) بالمؤمنين الدوائر ".
٧- النيسابوري: " ((وتربصتم)) قلتم: ﴿ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ ﴾ [سورة الطور: ٣٠] "(٨).
٨-٩- الشوكاني(٩)، القنوجي(١٠): " بمحمد - ﷺ - وبمن معه من المؤمنين حوادث الدهر. وقيل: تربصتم بالتوبة. والأول أولى ".
(١) أضواء البيان للشنقيطي (٧/٨٠٩).
(٢) الوجيز للواحدي (٢/١٠٦٨).
(٣) مدارك التنزيل للنسفي (٤/١٧٠).
(٤) الكشاف للزمخشري (٤/٤٦٣).
(٥) أنوار التنزيل للبيضاوي (٢/٢٤٨).
(٦) تفسير الجلالين ص(٤٥٧).
(٧) روح المعاني للأوسي (٢٧/١٧٧).
(٨) إيجاز البيان للنيسابوري (٢/٢٤٥).
(٩) فتح القدير للشوكاني (٥/١٦٨).
(١٠) فتح البيان للقنوجي (١٣/٤٠٩).


الصفحة التالية
Icon