١- الإمام البغوي: " ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا)) قال أهل المعاني: هذا على طريق المثل، ولم يكن هناك غل، أراد: منعناهم عن الإيمان بموانع، فجعل الأغلال مثلاً لذلك. قال الفراء: معناه إنا حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله، كقوله تعالى:
﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ ﴾ [سورة الإسراء: ٢٩] معناه لا تمسكها عن النفقة... ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ ﴾ فأعميناهم من التغشية وهي التغطية ﴿ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ سبيل الهدى " (١).
... ولقد اعتمدت البغوي من غير الموافقين والمخالفين حيث نقل عن الفراء ما ذكره في معنى الآية دون تعقيب أو ترجيح.
٢- ابن الجوزي: " ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا)) فيه ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها مثل، وليس هناك غُلٌّ على حقيقة، قاله أكثر المحققين. ثم لهم فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها مثل لمنعهم عن كل خير.
والثاني: لحبسهم عن الإنفاق في سبيل الله بموانع كالأغلال.
والثالث: لمنعهم من الإيمان بالله - عز وجل -.
والقول الثاني: أنها موانع حِسّية منعت كما يمنع الغلّ؛ قال مقاتل بن سليمان: حلف أبوجهل لئن رأى النبي - ﷺ - يصلّي ليَدْمَغَنَّه، فجاءه وهو يصلّي، فرفع حجراً فيبست يده والتصق الحجر بيده، فرجع إلى أصحابه فأخبرهم الخبر، فقام رجل منهم فأخذ الحجر، فلما دنا من رسول الله - ﷺ - طمس الله - عز وجل - على بصره فلم يره، فرجع إلى أصحابه فلم يبصرهم حتى نادوه، فنزل في أبي جهل: ((إنا جعلنا في أعناقهم أغلالاً...)).
والقول الثالث: أنه على حقيقته، إلاّ أنه وصف لما سينزله الله تعالى بهم في النار "(٢).

(١) مختصر البغوي (٢/٧٧٤).
(٢) زاد المسير لابن الجوزي (٦/٢٦٣).

٥- البقاعي: " ((وتربصتم)) أي كلفتم أنفسكم أن أخرجتموها عن الفطرة الأولى فأمهلتم وانتظرتم لتروا الأمر عياناً أو لم تفعلوا كما فعلنا من الإيمان بالغيب وترك التجربة ونسبة ما يحصل لنا مما فيه فتنة إلى أنفسنا بتقصيرنا، وكنا كلما حصل لنا ما يزلزل نقول: هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ولا يزيدنا ذلك إلا إيماناً وتسليماً، وانتظرتم أيضاً الدوائر بأهل الإيمان لتظهروا النفاق "(١).
... وبنحو عبارات من ذكرت جاء كلام كل من: البغوي(٢)، والفخر الرازي(٣)، والخازن(٤)، وأبي حيان(٥)، وابن كثير(٦)، والثعالبي(٧).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن الراجح هو ما ذهب إليه الشنقيطي والموافقون، من أن التربص يراد به تربص المنافقين بالنبي - ﷺ - والمؤمنين معه الدوائر، فيتربصون بالنبي - ﷺ - أن يأتيه الموت فيستريحوا، ويتربصون بالمؤمنين أن تنزل عليهم المصائب ونوائب الدهر، يدل لذلك أمور:
١- أن تفسير القرآن بالقرآن هو أحسن وأفضل أنواع التفسير(٨)، والقول المذكور قد دلت عليه آيات من كتاب الله - عز وجل -، كقوله تعالى: ﴿ z`دBur ة>#{ ôمF{$# `tB ن‹د‚­Gtƒ $tB ك، دےZمƒ $YBtچَّtB كب­/uژtItƒur â/ن٣خ/ tچح !#ur¤$!$# ﴾ [سورة التوبة: ٩٨]، وقوله تعالى: ﴿ كب­/uژtI¯R ¾دmخ/ |=÷ƒu' بbqمZyJّ٩$# ﴾ [سورة الطور: ٣٠].
(١) نظم الدرر للبقاعي (١٩/٢٧٦).
(٢) مختصر البغوي (٢/٩٢٥).
(٣) التفسير الكبير للفخر الرازي (١٠/٤٥٩).
(٤) لباب التأويل للخازن (٧/٢٩).
(٥) البحر المحيط لأبي حيان (١٠/١٠٧).
(٦) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٤/٣٠٩).
(٧) جواهر الحسان للثعالبي (٣/٢٦٥).
(٨) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(١٢٧).


الصفحة التالية
Icon