٥- أو يراد بالزاجرات زجراً: جماعات الغزاة يزجرون الخيل، لتسرع إلى الأعداء(١).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " أكثر أهل العلم على أن المراد بالصافات هنا، والزاجرات والتاليات: جماعات الملائكة، وقد جاء وصف الملائكة بأنهم صافون، وذلك في قوله تعالى عنهم: ﴿ وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ (١٦٥) وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ (١٦٦) ﴾ [سورة الصافات: ١٦٥-١٦٦]، ومعنى كونهم صافين: أن يكونوا صفوفاً متراصين بعضهم جنب بعض في طاعة الله تعالى، من صلاة وغيرها. وقيل: لأنهم يصفون أجنحتهم في السماء، ينتظرون أمر الله - عز وجل -... وقد جاء في بعض الآيات ما يدل على أنهم يلقون الذكر على الأنبياء؛ لأجل الإعذار والإنذار به، كقوله تعالى: ﴿ فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا (٥) عُذْرًا أَوْ نُذْرًا (٦) ﴾ [سورة المرسلات: ٥-٦]، فقوله: ((فالملقيات ذكرا)) كقوله هنا ((فالتاليات ذكراً))، لأن الذكر الذي تتلوه تلقيه إلى الأنبياء كما كان جبريل - عليه السلام - ينزل بالوحي على نبينا وغيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه على الجميع... وقوله في هذه الآية (فالزاجرات زجراً)) الملائكة تزجر السحاب، وقيل: تزجر الخلائق عن معاص الله - عز وجل - بالذكر الذي تتلوه وتلقيه إلى الأنبياء.
وممن قال بأن الصافات والزاجرات والتاليات في أول هذه السورة الكريمة هي جماعات الملائكة: ابن عباس، وابن مسعود، وعكرمة، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وقتادة؛ كما قاله القرطبي وابن كثير وغيرهما، وقدمنا أنه قول أكثر أهل العلم.
... قليل من المفسرين رجحوا أن المراد بقوله تعالى ((فصدوا عن سبيل الله)) أي صدوا المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم، وذلك لأنهم كفرة؛ وحكم الله - عز وجل - وسبيله في أهل الكفر به من أهل الكتاب القتل أو أخذ الجزية، وفي عبدة الأوثان القتل، فمن هؤلاء المفسرين:
١- الطبري(١)....... ٢- البغوي(٢)....... ٣- ابن جزي(٣)....
٤- المحلي(٤).
تعقيب الباحث:
... الظاهر -والله أعلم- أن معنى ((فصدوا عن سبيل الله)) أي صدوا غيرهم من الناس عن سبيل الله - عز وجل - والإيمان به، وذلك بتثبيطهم عن الدخول في دين الإسلام الصحيح؛ يدل لذلك:
١- أن صدودهم بأنفسهم عن الإسلام الصحيح قد دل عليه قوله تعالى ((اتخذوا أيمانهم جنة)) فكونهم يحلفون بأنهم مسلمون ليوهموا الناس أنهم مسلمين وهم يعلمون في قرارة أنفسهم أنهم ليسوا مسلمين الإسلام الصحيح، وحمل ((فصدوا عن سبيل الله)) على صدودهم وإعراضهم بأنفسهم يكون تكراراً في الآية، وأما حمله على صدهم لغيرهم من الناس يفيد معنى جديداً. " وإذا دار الكلام بين التأسيس والتأكيد فحمله على التأسيس أولى "(٥) هذه قاعدة يرجح بها المفسرون بين الأقوال.
(٢) مختصر البغوي (٢/٩٣٢).
(٣) التسهيل لابن جزي (٤/١٩٣).
(٤) تفسير الجلالين ص(٤٦١).
(٥) قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (٢/٤٧٣).