وقال بعض أهل العلم: الصافات في الآية الطير تصف أجنحتها في الهواء، واستأنس لذلك بقوله تعالى: ﴿ أَوَلَمْ (#÷ruچtƒ إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا ك`"uH÷qچ٩$# ﴾ [سورة الملك: ١٩]، وقوله تعالى: ﴿ أَلَمْ uچs؟ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي دN¨uq"uK، ،٩$# وَالْأَرْضِ مژِچ©ـ٩$#ur صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ zNد=tو صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ﴾ [سورة النور: ٤١].
وقال بعض العلماء: المراد بالصافات جماعات المسلمين يصفون في مساجدهم للصلاة، ويصفون في غزوهم عند لقاء العدو، كما قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي ¾د&ح#‹خ٦y™ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ (٤) ﴾ [سورة الصف: ٤].
وقال بعض العلماء أيضاً المراد بالزاجرات زجراً، والتاليات ذكراً: جماعات العلماء العاملين يلقون آيات الله - عز وجل - على الناس، ويزجرون عن معاص الله - عز وجل - بآياته ومواعظه التي أنزلها على رسله.
وقال بعضهم: المراد بالزاجرات زجراً: جماعات الغزاة يزجرون الخيل لتسرع إلى الأعداء. والقول الأول أظهر وأكثر قائلا "(١).
إذاً الشيخ الشنقيطي يرى أن المراد بالصافات والزاجرات والتاليات هنا في سورة الصافات؛ جماعات الملائكة.
الموافقون:
... جمهور من أئمة التفسير من السلف والخلف فسّروا الصافات والزاجرات والتاليات بأنه يراد بها الملائكة عليهم السلام، أذكر كلام البعض وأشير إلى البقية، فمنهم:
١- الإمام الطبري: "... والذي هو أولى بتأويل الآية عندنا ما قال مجاهد ومن قال هم الملائكة، لأن الله تعالى ذكره ابتدأ القسم بنوع من الملائكة وهم الصافون بإجماع من أهل التأويل، فلأن يكون الذي بعده قسماً بسائر أصنافهم أشبه "(٢).

(١) أضواء البيان للشنقيطي (٦/٦٧١-٦٧٣).
(٢) جامع البيان للطبري (٢٣/٢٣).

٢- إلحاقاً للنقطة السابقة؛ وبناء على نفس القاعدة الترجيحية " الحمل على التأسيس أولى " يترجح القول بأن ((صدوا عن سبيل الله)) يراد به صدهم غيرهم عن الدخول في الإسلام، على أن يراد به صدهم المؤمنين عن جهادهم بالقتل وأخذ أموالهم؛ لأن هذا المعنى الأخير قد أفاده قوله تعالى ((جُنَّة))، فإن " أصل الجنة ما يستتر به ويتقى به المحذور(١) كالترس، ثم استعمل هنا استعارة لأنهم كانوا يظهرون الإسلام لتعصم دماؤهم وأموالهم "(٢). فلفظ ((جُنَّة)) أفاد صدّهم المؤمنين عن قتالهم وأخذ أموالهم، ولفظ ((فصدوا عن سبيل الله)) أفاد صدهم غيرهم عن الدخول في الإسلام؛ وهذا المعنى هو الأولى. والله أعلم بالصواب.
- - -
الخاتمة
بعد هذه الجولة الممتعة مع ترجيحات الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره " أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن " أخلص إلى عدد من النتائج، أهمها:
١- غزارة علم الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- وتضلعه بكثير من العلوم كاللغة العربية والفقه والأصول والبلاغة وغيرها.
٢- إتقانه لأفضل وأقوى وأحسن أنواع التفسير، تفسير القرآن بالقرآن، وهو المقصد الأساسي من تأليف كتابه أضواء البيان.
٣- براعته في استخدام ألفاظ الترجيح، فيستخدم عند كل ترجيح اللفظ المناسب الذي يعطي ترجيحه قوته ومكانته المناسبة.
٤- استناد ترجيحاته على القواعد المعتبرة المقررة لدى علماء التفسير، والتي يقررها هو أيضاً، إلا ما ندر.
٥- درجات التفسير بالمأثور حاضرة في عمل الشيخ الشنقيطي -رحمه الله- في تفسيره أضواء البيان، فما لم تفسر الآية بآيات أخرى، وصح حديث في بيان أحد الأقوال الواردة، فهو مرجّح عنده على غيره.. ثم بعده ما فسره الصحابة وأجمعوا عليه... وهكذا.
٦- تحرّيه للصواب المؤيد بالدليل، وعدم تعصبه لمذهب أو شخص معين.
(١) انظر: القاموس المحيط للفيروز آبادي ص(١٥٣٢)، باب النون فصل الجيم.
(٢) التسهيل لابن جزي (٤/١٩٣).


الصفحة التالية
Icon