١- الاستئناس المراد به ضد الاستيحاش، وهذا الأنس وزوال الوحشة من ناحيتين.
أ - من ناحية أهل البيت الساكنين فيه، فإن الاستئذان بالطريقة المهذبة الواردة في تعاليم الإسلام تجعل أهل البيت يستعدون لاستقبال الزائر ويأنسون لوجوده بينهم، بخلاف ما لو اقتحم البيت ووقعت عينه على عورات لا يحب أهل البيت أن يراها أحد(١).
ب- من ناحية الزائر، فإنه عندما يقرع الباب لا يدري أيؤذن له أم لا؟ فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه، فإن أذن له استأنس وزال عنه الاستيحاش(٢).
٢- الاستئناس يعني الاستعلام والاستخبار، يعني يستعلم هل يأذن أهل الدار ويريدوا دخول الزائر أم لا؟(٣).
٣- أن يراد الاستئناس الاستئذان(٤)، وهذا القول يشبه بصورة كبيرة القول الثاني السابق له مباشرة.
٤- أن الاستئناس من الإنس يعني هل يوجد إنسان في الدار؟(٥).
ترجيح الشنقيطي:
... قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله-: " في تفسير هذه الآية الكريمة بما يناسب لفظها وجهان، ولكل منهما شاهد من كتاب الله تعالى:

(١) في ظلال القرآن لسيد قطب (٤/٢٥٠٨)، التحرير والتنوير لابن عاشور (١٨/١٩٧).
(٢) أضواء البيان للشنقيطي (٦/١٦٧)، الكشاف للزمخشري (٣/٢٢٠).
(٣) فتح القدير للشوكاني (٤/٢١)، التسهيل لابن جزي (٣/١٣٧).
(٤) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٢/٢١٣)، تفسير آيات الأحكام للصابوني (٢/١٢٦).
(٥) أنوار التنزيل للبيضاوي (٢/٦١)، لباب التأويل للخازن (٥/٥٤).

وأما من جمع الأقوال أو بعضها دون ترجيح، فمنهم: الإمام الماوردي(١)، والبغوي(٢)، والزمخشري(٣)، وابن عطية(٤)، وابن الجوزي(٥)، والفخر الرازي(٦)، والقرطبي(٧)، والخازن(٨)، وأبي حيان(٩)، والبيضاوي(١٠)، والثعالبي(١١)، وأبي السعود(١٢)، والشوكاني(١٣)، والألوسي(١٤)، والقنوجي(١٥)، والقاسمي(١٦).
تعقيب الباحث:
... يظهر -والله أعلم- أن حمل الآية على جميع ما سبق ذكره من بيان لمعنى الشهداء هو الراجح هنا، سواء ما ذكره الشيخ الشنقيطي أو ما ذكره المخالفون -مع ملاحظة أن القول الخامس في مجمل الأقوال لم يرجحه أحد، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله - عز وجل - والأدلة على ما قلته من الترجيح ما يلي:
١- حكى ابن الجوزي إجماع الجمهور(١٧) على أن الشهداء يراد بهم الذين يشهدون على الناس بأعمالهم، وعليه فقد اجتمع الشنقيطي ومخالفوه، فكل أحد منهم قد ذكر نوعاً من أنواع مَنْ يشهد.
٢- واتفق الشنقيطي والمخالفون في أن لفظ (الشهداء) جمع شاهد؛ الذي يشهد لغيره وعلى غيره، وليس جمع شهيد الذي قتل في سبيل الله - عز وجل -.
(١) النكت والعيون للماوردي (٥/١٣٧).
(٢) مختصر البغوي (٢/٨١٥).
(٣) الكشاف للزمخشري (٤/١٤١).
(٤) المحرر الوجيز لابن عطية (١٢/٥٦٨).
(٥) زاد المسير لابن الجوزي (٧/٢٧).
(٦) التفسير الكبير للفخر الرازي (٩/٤٧٨).
(٧) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٥/٢٨٣).
(٨) لباب التأويل للخازن (٦/٧١).
(٩) البحر المحيط لأبي حيان (٩/٢٢٣).
(١٠) أنوار التنزيل للبيضاوي (٢/١٧٥).
(١١) جواهر الحسان للثعالبي (٤/٦٣).
(١٢) إرشاد العقل السليم لأبي السعود (٤/٦٢٥).
(١٣) فتح القدير للشوكاني (٤/٤٥٨).
(١٤) روح المعاني للألوسي (٢٤/٣١).
(١٥) فتح البيان للقنوجي (١٢/١٤٩).
(١٦) محاسن التأويل للقاسمي (١٤/٥١٥١).
(١٧) زاد المسير لابن الجوزي (٧/٢٧).

إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آَمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ (١٢) }... ١٢
﴿ إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءَكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئًا وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ (١٩) ﴾... ١٩
﴿ * إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (٢٢) ﴾... ٢٢
﴿ وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (٢٣) ﴾... ٢٣
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَن اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٢٤) ﴾... ٢٤
﴿ وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (٣٠) ﴾... ٣٠
﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِن اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣٩) ﴾... ٣٩
سورة التوبة
﴿ أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣) ﴾... ١٣
﴿ قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ (١٤) ﴾... ١٤... ، ٧٥٣، ٨٤٢


الصفحة التالية
Icon