الوجه الأول: أنه من الاستئناس الظاهر الذي هو ضد الاستيحاش؛ لأن الذي يقرع باب غيره لا يدري أيؤذن له أم لا فهو كالمستوحش من خفاء الحال عليه، فإذا أذن له استأنس وزال عنه الاستيحاش، ولما كان الاستئناس لازماً للإذن أطلق اللازم، وأريد ملزومه الذي هو الإذن، وإطلاق اللازم وإرادة الملزوم أسلوب عربي معروف(١). وعليه يصير المعنى: حتى تستأذنوا. ويشهد لهذا المعنى قوله تعالى بعده: ﴿ فَلَا تَدْخُلُوهَا ٤س®Lxm يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ [سورة النور: ٢٨]، وقوله تعالى: ﴿ لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ ﴾ [سورة الأحزاب: ٥٣].
الوجه الثاني: هو أن يكون الاستئناس بمعنى الاستعلام والاستكشاف. فهو استفعال من آنس الشيء إذا أبصره ظاهراً مكشوفاً أو علمه. والمعنى: حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال، هل يؤذن لكم أم لا؟ وتقول العرب: استئنس هل ترى أحداً، واستأنست فلم أر أحداً، أي تعرفت واستعلمت، ومن هذا المعنى قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا (#ûqمèsùôٹ$$sù ِNخkِژs٩خ) ِNçlm;¨uqّBr& ﴾ [سورة النساء: ٦]. أي علمتم رشدهم وظهر لكم. وقوله تعالى: ﴿ 'دoTخ) آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ ﴾ [سورة طه: ١٠]، وقوله تعالى: ﴿ * فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ ے¾د&ح#÷dr'خ/ ﴾tR#uن مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا } [سورة القصص: ٢٩]. فمعنى آنس ناراً: رآها مكشوفة "، إلى أن قال: " وهذا الوجه الذي هو أن معنى تستأنسوا: تستكشفوا وتستعملوا هل يؤذن لكم، وذلك الاستعلام والاستكشاف إنما يكون بالاسئذان أظهر عندي "(٢).
الموافقون:

(١) وهي إحدى علاقات المجاز المرسل، وقسمي: اللازمية. انظر: عقود الجمان في المعاني والبيان للسيوطي (٢/٤٥).
(٢) أضواء البيان للشنقيطي (٦/١٦٧-١٦٨)، بتصرف.

٣- ما رجّحه الشنقيطي، أن الشهداء هم الرسل من البشر يشهدون على أممهم قد استدل له بعدد من آيات القرآن الكريم، وهذا تفسير للقرآن بالقرآن أقوى أنواع التفسير(١).
٤- إن عطف الشهداء على الأنبياء مراداً بهم نفس الأنبياء -ما ذهب إليه الشنقيطي- من باب عطف الصفة على الصفة بالواو، كما تقول: جاءني زيد الكريم والعاقل(٢).
٥- كذلك فإن كل قول رجحه المخالفون له ما يؤيده من آيات القرآن الكريم:
... فمن قال بأنهم أمة محمد - ﷺ - يشهدون للرسل أنهم بلّغوا رسالة الله - عز وجل -، استدل بقوله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا ﴾ [سورة البقرة: ١٤٣].
... ومن قال بأنهم الحفظة من الملائكة استدل بقوله تعالى: ﴿ وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا ×، ح !$y™ وَشَهِيدٌ (٢١) ﴾ [سورة ق: ٢١].
... ومن ذكر من ضمن الشهود الجوارح والأرض وغيرها يؤيده قوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٢٤) ﴾ [سورة النور: ٢٤]، وقوله تعالى عن الأرض: ﴿ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) ﴾ [سورة الزلزلة: ٤] ونحوها.
٦- القول بأن الشهداء يراد بهم الذين قتلوا في سبيل الله - عز وجل - لم يرجحه أحد من المفسرين إطلاقاً، مما يدل أنه وإن ورد في بعض كتب التفسير إلا أنه لا يصح أن يكون مراداً في هذه الآية.
(١) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(١٢٧)، قواعد التفسير لخالد السبت (١/١٠٩).
(٢) المحرر الوجيز لابن عطية (١٢/٥٦٨).

لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (٤٢) }... ٤٢
﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢) ﴾... ٦٢
﴿ وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ (٦٨) ﴾... ٦٨
﴿ سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٥) ﴾... ٩٥
﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ tچح !#ur¤$!$# عَلَيْهِمْ نotچح !#yٹ السَّوْءِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (٩٨) ﴾... ٩٨... ، ٧٨١، ٩٢٢، ٩٢٦
﴿ وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلَا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩) ﴾... ٩٩... ، ٧٨١، ٨١٨
﴿ وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُمْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ (١٠١) ﴾... ١٠١
﴿ وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) ﴾... ١٢٤... ، ٣٦٩، ٣٧١


الصفحة التالية
Icon