... القول الذي ذهب إليه الشيخ الشنقيطي أن الاستئناس يراد به الاستعلام والاستكشاف، وأن المعنى: حتى تستعلموا وتستكشفوا الحال هل يؤذن لكم أم لا؟ قال به من المفسرين:
١- ابن جزي: " معنى تستأنسوا، تستأذنوا، وهو مأخوذ من قولك آنست الشيء إذا علمته، فالاستئناس: أن يستعلم هل يريد أهل الدار الدخول أم لا؟ "(١).
٢- الشوكاني: " والاستئناس: الاستعلام والاستخبار، أي حتى تستعلموا من في البيت، والمعنى: حتى تعلموا أن صاحب البيت قد علم بكم، وتعلموا أنه قد أذن بدخولكم، فإذا علمتم ذلك دخلتم، ومنه قوله: ﴿ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا ﴾ [سورة النساء: ٦] أي علمتم "(٢).
ويظهر أن القول بأن الاستئناس في الآية معناه: الاستئذان، يشبه هذا القول جداً ويتداخل معه بصورة كبيرة تجعلهما قولاً واحداً، فكون الداخل للبيت -من غير أهله- يستعلم أيؤذن له؛ كقولهم يستأذن. وعليه فإن عدداً من المفسرين جعلوا معنى الاستئناس: الاستئذان -باختصار-، فيكون قولهم أيضاً موافقاً لما ذهب إليه الشنقيطي، فمن هؤلاء:
١- النسفي: " ((حتى تستأنسوا)) أي تستأذنوا، والاستئناس في الأصل: الاستعلام والاستكشاف؛ استفعال من أنس الشيء إذا أبصره ظاهر مكشوفاً، أي حتى تستعلموا أيطلق لكم الدخول أم لا؟ "(٣).
٢- القرطبي: " الاستئناس: هو الاستئذان "(٤).
٣- ابن تيمية: " بيّن أن المقصود في الآية الاستئذان؛ مبيناً أن الله - سبحانه وتعالى - ذكر الاستئذان على نوعين:
الأول :-المذكور في هذه الآية- ويكون قبل دخول البيت مطلقاً.

(١) التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي (٣/١٣٧).
(٢) فتح القدير للشوكاني (٤/٢١).
(٣) مدارك التنزيل للنسفي (٣/١٠٧).
(٤) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٢/٢١٣).

٧- إلحاقاً للنقطة السابقة... بل إن عدداً من المفسرين صرّحوا بأن هذا المعنى لا يصح أن يراد هنا سواء بترجيحهم لغيره أو ردّهم عليه بأنه لا يناسب المقام؛ بعبارات متنوعة، منهم: الطبري(١)، وابن عطية(٢)، وابن الجوزي(٣)، ونظام الدين النيسابوري(٤)، وابن جزي(٥)، وأبي حيان(٦)، والثعالبي(٧)، والألوسي(٨).
٨- الذين جمعوا الأقوال فقط دون ترجيح أحدها على البقية، اتفقوا عند إيرادهم لقول (المستشهدون في سبيل الله - عز وجل - ) على عدم إيراد دليل يقويه، بل ربما يوردوه بصيغة التمريض (قيل)(٩). والله أعلم بالصواب.
- - -
معنى الإماتتين والإحياءتين
٥٩- قوله تعالى: ﴿ قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ﴾ [سورة غافر: ١١].
مجمل الأقوال الواردة في الآية:
القول الأول
الإماتة... ١- كونهم نطفاً وعلقاً ومضغا قبل نفخ الروح... الإحياء... ١- في دار الدنيا
٢- انقضاء الأجل... ٢- البعث من القبور من أجل الحساب
القول الثاني... الإماتة... الإحياء... ١- في دار الدنيا
١- عند انقضاء الأجل... ٢- في القبر للمسألة
٢- في القبر إلى وقت البعث... ٣- البعث من القبور للحساب
القول الثالث... الإماتة... الإحياء... ١- حين أخذ عليهم الميثاق
١- أماتهم بعد أخذ الميثاق... ٢- أحياهم حين أخرجهم
(١) جامع البيان للطبري (٢٤/٢٢).
(٢) المحرر الوجيز لابن عطية (١٢/٥٦٨).
(٣) زاد المسير لابن الجوزي (٧/٢٧).
(٤) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (٢٤/١٩).
(٥) التسهيل لابن جزي (٣/٤٣٢).
(٦) البحر المحيط لأبي حيان (٩/٢٢٣).
(٧) جواهر الحسان للثعالبي (٤/٦٣).
(٨) روح المعاني للألوسي (٢٤/٣١).
(٩) الكشاف للزمخشري (٤/١٤١)، التفسير الكبير للفخر الرازي (٩/٤٧٨)، الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٥/٢٨٣)، أنوار التنزيل للبيضاوي (٢/١٧٥)، إرشاد العقل السليم لأبي السعود
(٤/٦٢٥).

وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (١٢٥) }... ١٢٥... ، ٣٦٩، ٣٧١
﴿ لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) ﴾... ١٢٨
سورة يونس
﴿ أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آَمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِن هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (٢) ﴾... ٢
﴿ هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٥) ﴾... ٥
﴿ * لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (٢٦) ﴾... ٢٦
﴿ وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ (٢٨) ﴾... ٢٨... ، ٢٩٧
﴿ فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِنْ كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ (٢٩) ﴾... ٢٩... ، ٢٩٧
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٤٤) ﴾... ٤٤
﴿ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (٤٧) ﴾... ٤٧
﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (٥٧) ﴾... ٥٧


الصفحة التالية
Icon