... الذي يظهر -والله أعلم- أن الاستئناس المذكور في الآية بقوله تعالى: ((حتى تستأنسوا)) يراد به جميع المعاني الواردة عن المفسرين، وذلك لأمور:
١- أنه قد دلت عدد من آيات القرآن الكريم على مختلف معاني الاستئناس، منها:
أ- من قال إن الاستئناس في قوله ((حتى تستأنسوا)) مأخوذ من الإنس؛ يعني هو يوجد إنسان في الدار؟ استدل بالآية التي تليها، وهي قوله تعالى: ﴿ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا #Y‰xmr& فَلَا تَدْخُلُوهَا ﴾ [النور: ٢٨].
ب- ومن قال إن الاستئناس يراد به الاستعلام واستكشاف الحال هل يؤذن لكم أو لا؟ استدلوا بعدد من الآيات، كقوله تعالى: ﴿ فَإِنْ آَنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا ﴾ [سورة النساء: ٦]. أي علمتم، وقوله ﴿ ﴾

tR#uن مِنْ جَانِبِ الطُّورِ نَارًا } [سورة القصص: ٢٩] أي رآها وأبصرها مكشوفة.

جـ- ومن رأى أن الاستئناس ضد الاستيحاش والمراد به زوال الوحشة وحلول الأنس والراحة من قبل أهل البيت والضيف؛ استدلوا بسياق الآيات وبالذات عند قوله تعالى: ((ذلكم خير لكم))... وقوله تعالى: ((فارجعوا هو أزكى لكم))... فقد دلت على أن في الاستئذان خير... ولا يكون خيراً لأهل البيت إلاّ إذا كانوا منشرحي النفس طيبة نفوسهم باستقبال الضيف، وليس هناك خير إذا دخل الضيف وكانوا على حالة لا يحبّوا أن يراهم عليها أحد. ودلت على أن رجوع الضيف عن الدخول إلى البيت -فيما إذا طلب منه ذلك- زكاة وطهارة له حيث حفظ أن يقع في الإثم والذنب باطلاعه على ما لا يجوز اطلاعه عليه.
... فهذه المعاني المستندة على الآيات القرآنية تدخل تحت أفضل وأعلى درجات التفسير وهو تفسير القرآن بالقرآن(١).

(١) شرح مقدمة التفسير، لابن عثيمين ص(١٢٧)، قواعد الترجيح عند المفسرين لحسين الحربي (١/٣١٢)، قواعد التفسير لخالد السبت (١/١٠٩).

... فممّن ذكر آية سورة البقرة تفسيراً لآية سورة غافر؛ الإمام البغوي؟(١)؟، والنسفي؟(٢)؟، والزمخشري؟(٣)؟، وابن الجوزي؟(٤)؟، والقرطبي؟(٥)؟، ونظام الدين النيسابوري؟(٦)؟، وابن جزي؟(٧)؟، وأبوحيان؟(٨)؟، وابن كثير؟(٩)؟، والثعالبي؟(١٠)؟، والبقاعي؟(١١)؟، والشوكاني(١٢)، والقنوجي(١٣)، والقاسمي(١٤)، والمراغي(١٥).
٢- إجماع جمهور السلف على اختيار هذا المعنى الراجح، وقد حكى إجماع الجمهور كل من الإمام الشوكاني(١٦) والقنوجي(١٧).
٣- كذلك عدم وجود مخالف على الإطلاق يدل على قوة ترجيح المعنى المختار.
٤- وليس فقط عدم وجود مخالف، بل هناك من المفسرين من ردّ على الأقوال الأخرى؛ من ذلك:
أ- الزمخشري، بعد القول الراجح ذكر القول المرجوح وقال عنه بأنه " خلاف ما في القرآن "(١٨).
ب- ابن جزي، قال بعد القول المرجوح إنه " قول فاسد "(١٩).
ج- أبوحيان، قال عن المرجوح إنه " خلاف القرآن "(٢٠).
(١) مختصر البغوي (٢/٨١٨).
(٢) مدارك التنزيل للنسفي (٤/٥٦).
(٣) الكشاف للزمخشري (٤/١٥٠).
(٤) زاد المسير لابن الجوزي (٧/٣٥).
(٥) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٥/٢٩٧).
(٦) غرائب القرآن لنظام الدين النيسابوري (٢٤/٣٠).
(٧) التسهيل لابن جزي (٤/٥).
(٨) البحر المحيط لأبي حيان (٩/٢٤١).
(٩) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٤/٧٣).
(١٠) جواهر الحسان للثعالبي (٤/٦٨).
(١١) نظم الدرر للبقاعي (١٧/١٩).
(١٢) فتح القدير للشوكاني (٤/٤٦٦).
(١٣) فتح البيان للقنوجي (١٢/١٦٧).
(١٤) محاسن التأويل للقاسمي (١٤/٥١٥٨).
(١٥) تفسير المراغي (٢٤/٥١).
(١٦) فتح القدير للشوكاني (٤/٤٦٦).
(١٧) فتح البيان للقنوجي (١٢/١٦٧).
(١٨) الكشاف للزمخشري (٤/١٥٠).
(١٩) التسهيل لابن جزي (٤/٥).
(٢٠) البحر المحيط لأبي حيان (٩/٢٤١).

إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) }... ٩
سورة النحل
﴿ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٤) ﴾... ٤... ، ٨٨٥
﴿ وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (٨) ﴾... ٨
﴿ وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) ﴾... ١٦
﴿ الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٢٨) ﴾... ٢٨
﴿ وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦) ﴾... ٣٦
﴿ بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٤٤) ﴾... ٤٤
﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٧٨) ﴾... ٧٨
﴿ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (٨٩) ﴾... ٨٩... ، ٥٨٢
﴿ مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (٩٦) ﴾... ٩٦... ، ٦١٣


الصفحة التالية
Icon