وإذا علمت ذلك فاعلم أن الأظهر على مقتضى ما ذكرنا عن الأصوليين؛ أن يكون ضمير الفاعل المحذوف في قوله: ((كل قد علم صلاته وتسبيحه)) راجعاً إلى قوله ((كل)) أي كل من المصلين قد علم صلاة نفسه، وكل من المسبحين قد علم تسبيح نفسه، وعلى هذا القول فقوله تعالى: ((والله عليم بما يفعلون)) تأسيس لا تأكيد. أما على القول بأن الضمير راجع إلى الله تعالى: أي قد علم الله صلاته؛ يكون قوله: ((والله عليم بما تفعلون)) كالتكرار مع ذلك، فيكون من قبيل التوكيد اللفظي.
وقد علمت أن المقرر في الأصول أن الحمل على التأسيس أرجح من الحمل على التوكيد "(١).
الموافقون:
قال مثل القول الذي اختاره الشيخ الشنقيطي من أن الضمير المحذوف عائد على لفظ (كل) عدد من المفسرين، منهم:
١- أبوحيان، قال: " والظاهر أن الفاعل المستكن في ((علم)) وفي ((صلاته وتسبيحه)) عائد على ((كل)) "(٢).
٢- ابن كثير، قال: " أي كل قد أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله - عز وجل - "(٣).
٣- الشوكاني، قال: " والضمير في ((علم)) يرجع إلى ((كل))، والمعنى: أن كل واحد من هذه المسبحات لله قد علم صلاة المصلى وتسبيح المسبح [ثم ذكر عدداً من أقوال المفسرين... إلى أن قال:] والأول أرجح؛ لاتفاق القراء على رفع ((كل))، ولو كان الضمير في ((علم)) لله لكان نصب ((كل)) أولى "(٤).
... وسار على هذا القول أيضاً عدد من الأئمة؛ كأبي البقاء العكبري(٥)،

(١) أضواء البيان للشنقيطي (٦/٢٤٤-٢٤٥).
(٢) البحر المحيط لأبي حيان (٨/٥٦).
(٣) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٣/٢٩٧).
(٤) فتح القدير للشوكاني (٤/٤٢).
(٥) إملاء ما من به الرحمن لأبي البقاء العكبري (٢/١٥٨).
=... وهو: أبوالبقاء عبدالله بن الحسين بن عبدالله العكبري النحوي الحنبلي، صاحب الإعراب، المقرئ الفقيه المفسر الفرضيّ اللغوي، كان معيداً للشيخ أبي الفرج بن الجوزي في المدرسة. توفي سنة (٦١٦هـ). طبقات المفسرين (١/٢٢٤).

٣- إن إجماع الجمهور على ما رجحوه مبني على تفسير القرآن بالقرآن أفضل أنواع التفسير(١)، فآية سورة الشورى قوله تعالى: ﴿ ؟ھ!$#؟ü"د%©!$#؟tAu"Rr&؟|="tGإ٣ّ٩$#؟بd،utù:$$خ/؟tb#u"چدJّ٩$#ur؟ ؟ ﴾ ؟[سورة الشورى: ١٧] تفسرها آية سورة الحديد قوله تعالى: ﴿ ؟ô‰s)s٩؟$uZù=y™ِ'r&؟$sYn=ك™â'؟دM"uZةi t٧ّ٩$$خ/؟$uZّ٩u"Rr&ur؟قOكgyètB؟|="tGإ٣ّ٩$#؟ڑc#u"چدJّ٩$#ur؟tPqà)u‹د٩؟â¨$¨Y٩$#؟إفَ، ة)ّ٩$$خ/؟ ؟ ﴾ ؟[سورة الحديد: ٢٥] وآية سورة الرحمن قوله تعالى: ﴿ ؟uن!$yJ، ،٩$#ur؟$ygyèsùu'؟yى|تurur؟ڑc#u"چدJّ٩$#؟اذب؟wr&؟(#ِqtَôـs؟؟'خû؟بb#u"چدJّ٩$#؟ارب؟(#qكJٹد%r&ur؟ڑcّ-uqّ٩$#؟إفَ، ة)ّ٩$$خ/؟ںwur؟(#rمژإ£ّƒéB؟tb#u"چدJّ٩$#؟ازب؟ ﴾ ؟[سورة الرحمن: ٧-٩] كما ذكر ذلك الإمام ابن كثير(٢) وغيره.
٤- الشيخ الشنقيطي أورد اعتراضاً قد يرد على تفسير الميزان بالعدل والإنصاف، بأن هذا " يشكل الفرق بين الكتاب والميزان؛ لأن الكتب السماوية كلها عدل وإنصاف ". ولكنه أيضاً ردّ هذا الإشكال بوجهين يقوّى بهما ما رجحه؛ فلا إشكال أن الكتب السماوية كلها عدل وإنصاف، ولا مانع أن يفسّر الميزان بأنه العدل والإنصاف... ، قال: " الجواب من وجهين:
(١) شرح مقدمة التفسير لابن عثيمين ص(١٢٧)، قواعد التفسير لخالد السبت (١/١٠٩).
(٢) تفسير القرآن العظيم لابن كثير (٤/١١٠).

إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آَيَاتِنَا لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آَمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤٠) }... ٤٠... ٢٧٨
﴿ * إِلَيْهِ -ٹuچمƒ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ;N¨uچyJrO مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ ِNخk‰دٹ$uZمƒ أَيْنَ شُرَكَائِي (#ûqن٩$s% آَذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ ٧‰ٹخky­ (٤٧) ﴾... ٤٧... ٦١٩
سورة الشورى
﴿ وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) ﴾... ١٠... ٥٥
﴿ * شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) ﴾... ١٣... ٧٢١، ٧٢٩
﴿ اللَّهُ الَّذِي tAu"Rr& الْكِتَابَ بd،utù:$$خ/ وَالْمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ ز=ƒحچs% (١٧) ﴾... ١٧
﴿ مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآَخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ (٢٠) ﴾... ٢٠... ٧٠٣، ٧٠٩
﴿ وَمِنْ آَيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٣٢) ﴾... ٣٢... ٨٠٢، ٨١٥
﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) ﴾... ٤٠... ٥٦٣
﴿ وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) ﴾... ٤١


الصفحة التالية
Icon