ثانياً: ومنهم من ذكر الأقوال كلها أو بعضها معتبراً إياها معنى للآية وكلها بدرجة واحدة، فإما أن يسرده سرداً كالإمام البيضاوي(١)، والبقاعي(٢)، أو يكون له أسلوب في ترجيح الأقوال الشارحة للآيات ولكنه لم يتبعه هنا وإنما ذكر الأقوال كلها وسكت كالإمام القرطبي(٣)، والشوكاني(٤)، والسعدي(٥)، أو يذكر قولاً في بداية تفسير الآية جازماً، ويذكر بعده قولاً بصيغة التضعيف ولكنه يقول بعده إنه موافق لمساق الآية أو إن الآية تحتمل ألفاظها هذا المعنى كالإمام أبي حيان(٦) وابن عاشور(٧).
... وسأنقل كلام ابن عاشور لاشتماله على تفصيلات وفوائد جيدة؛ يقول: " لما كان الاجتماع للرسول - ﷺ - في الأمور يقع بعد دعوته الناس للاجتماع وقد أمرهم الله - عز وجل - أن لا ينصرفوا عن مجامع الرسول - ﷺ - إلا لعذر بعد إذنه أنبأهم بهذه الآية وجوب استجابة دعوة الرسول - ﷺ - إذا دعاهم.
والمعنى لا تجعلوا دعوة الرسول - ﷺ - إياكم للحضور لديه مخيرين في استجابتها كما تتخيرون في استجابة دعوة بعضكم بعضاً، فوجه الشبه المنفي بين الدعوتين هو الخيار في الإجابة. والغرض من هذه الجملة أن لا يتوهموا أن الواجب هو الثبات في مجامع الرسول - ﷺ - إذا حضروها، وأنهم في حضورها إذا دعوا إليها بالخيار، فالدعاء على هذا التأويل مصدر دعاه إذا ناداه أو أرسل إليه ليحضر.

(١) أنوار التنزيل للبيضاوي (٢/٦٨).
(٢) نظم الدرر للبقاعي (١٣/٣٢٤).
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي (١٢/٣٢٢).
(٤) فتح القدير للشوكاني (٤/٥٨).
(٥) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(٥٧٦).
(٦) البحر المحيط لأبي حيان (٨/٧٥).
(٧) التحرير والتنوير لابن عاشور (١٨/٣٠٩).

ومنها: أنهم جعلوا الملائكة الذين هم عباد الله إناثاً، فتجرؤوا على الملائكة، العباد المقرنين، ورقوهم عن مرتبة العبادة والذل، إلى مرتبة المشاركة لله، في شيء من خواصه، ثم نزلوا بهم عن مرتبة الذكورية إلى مرتبة الأنوثية، فسبحان من أظهر تناقض من كذب عليه وعاند رسله "؟(١)؟؟
٧- سيد قطب: " ((وجعلوا له من عباده جزءاً، إن الإنسان لكفور مبين)) فالملائكة عباد الله، ونسبة بنوتهم له معناها عزلهم من صفة العبودية، وتخصيصهم بقرابة خاصة بالله؛ وهم عباد كسائر العباد، لا مقتضى لتخصيصهم بصفة غير صفة العبودية في علاقتهم بربهم وخالقهم. وكل خلق الله - عز وجل - عباد له خالصو العبودية. وادعاء الإنسان هذا الادعاء يدمغه بالكفر الذي لا شبه فيه: ((إن الإنسان لكفور مبين)).
... ثم يحاجهم بمنطقهم وعرفهم، ويسخر من سخف دعواهم أن الملائكة إناث ثم نسبتهم إلى الله - عز وجل - :((أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين؟)).
... فإذا كان -سبحانه- متخذاً أبناء، فما له يتخذ البنات ويصفيهم هم بالبنين؛ وهل يليق أن يزعموا هذا الزعم بينما هم يستنكفون من ولادة البنات لهم ويستاءون: ((وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم)).
... أفما كان من اللياقة والأدب ألاّ ينسبوا إلى الله من يستاءون هم إذا بشروا به، حتى ليسود وجه أحدهم من السوء الذي يبلغ حداً يجل عن التصريح به، فيكظمه ويكتمه وهو يكاد يتميز من السوء؟! أفما كان من اللياقة والأدب ألا يخصوا الله - عز وجل - بمن ينشأ في الحلية والدعة والنعومة، فلا يقدر على جدال ولا قتال؛ بينما هم -في بيئتهم- يحتفلون بالفرسان والمقاويل من الرجال؟!.
... إنه يأخذهم في هذا بمنطقهم، ويخجلهم من انتقاء ما يكرهون ونسبته إلى الله - عز وجل -. فهلا اختاروا ما يستحسنونه وما يسرون له فنسبوه إلى ربهم، إن كانوا لابد فاعلين؟!.
(١) تيسير الكريم الرحمن للسعدي ص(٧٦٣).

أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثَى (٢١) تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى (٢٢) }... ٢١-٢٢
﴿ وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا (٢٨) ﴾... ٢٨
﴿ ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى (٤١) ﴾... ٤١... ، ٦١٤
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى (٤٩) ﴾... ٤٩... ، ٨٥٨
سورة القمر
﴿ حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ (٥) ﴾... ٥... ٨٨٠
﴿ فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) ﴾... ١٠... ٨٧
﴿ فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) ﴾... ١١... ، ٨٧١
﴿ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) ﴾... ١٢... ، ٨٧١
﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦) ﴾... ١٦
﴿ كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٨) ﴾... ١٨
﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٢١) ﴾... ٢١
﴿ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٠) ﴾... ٣٠
﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آَلَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) ﴾... ٣٤
﴿ وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧) ﴾... ٣٧
﴿ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٩) ﴾... ٣٩
﴿ وَلَقَدْ جَاءَ آَلَ فِرْعَوْنَ النُّذُرُ (٤١) ﴾... ٤١
﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (٤٩) ﴾... ٤٩
سورة الرحمن
﴿ الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآَنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (٤) ﴾... ١-٢-٣-٤
﴿ وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (٦) ﴾... ٦... ٩٠
﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (٧) ﴾... ٧... ، ٦٣١، ٦٣٥
﴿ أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (٨) ﴾... ٨... ، ٦٣١، ٦٣٥
﴿ وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩) ﴾... ٩... ، ٦٣١، ٦٣٥


الصفحة التالية
Icon